العدد 3534
الإثنين 18 يونيو 2018
banner
حين تلاشت العرب
الإثنين 18 يونيو 2018

أخذتُ هذا العنوان من كتاب صدر في بداية تسعينات القرن الماضي للواء علي أبونوّار، عن فترة حرجة من فترات الأمة العربية وهي الواقعة ما بين 1948 و1964، وأعتقد أن تلك الفترة التي تلاشى فيها العرب، وإن كنتُ قد أخذت على نفسي عهداً غير ملزم بالتخفيف من جلد الذات والنواح، فإنني لا أجد ما يمكن أن أطلق عليه على هذه الأمة في الأحداث التي يمكن جمعها في بضعة أيام فقط.

فهناك انفضاض متزايد ومتكاثر ومتسارع عن مفهوم “الأمة”، وكأن الأمة العربية لعنة أو من الأمراض الجائحة التي يفرّ منها الناس، إنها طاعون العصر بهذا النسق، فكنا نسمع الكثير من العراقيين في أوقات الشدة على الإذاعات يقولون إن أهمّ ما لديهم أن يبتعد العرب عنهم، وأن العرب هم الذين قوّوا حكم صدام حسين عليهم، واليوم لا يريدون منهم شيئاً، ولو استمعنا إلى عدد من السوريين لرأيناهم يقولون نفس قولهم هذا، سواء الواقفون مع هذا الشطر أو ذاك، فالكل يرى أن العرب السبب الأول والأساس للخراب والدمار والقتل والتشريد الذي حاق بهم، فهناك من يدعم النظام أو يقلل من جرائمه، وهناك من يسلح الميليشيات المتوالدة من بعضها البعض، والمتقاتلة مع بعضها البعض، وهناك طرف واحد فقط لا غير يدفع ثمن الانتصار والانكسار في آن واحد، وهو الشعب: الخاسر الأكبر.

وهناك المشاريع المتصهينة والمشبوهة، والمبررات الرسمية مرة، والشعبوية مرة، قيادات الرأي مرة، والمثقفون مرة، طنين في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وتمييع في المحطات التلفزيونية، وهي لا تنظر إلى الصراع العربي الصهيوني بنظرة جديدة، ولا بمراجعة بعض المواقف، ولكن الأمر فيه شيء غير قليل من التخلي، وصار الرئيس المصري الراحل أنور السادات هو أعقل العرب عندما عقد صلحاً منفرداً مع دولة الكيان المحتل.

الحال ينسحب حتى على الرياضة التي صار بمقدورها نبش ما بين العرب من كائنات لزجة تختبئ تحت قشرة رقيقة من المجاملات، ولكنها يمكن أن تتفجر في لقاء رياضي مثلاً، فإذا التقى فريقان عربيان، فإنهما يبذلان ما لا يبذلانه مع الغرباء، فبأسهم بينهم شديد! هل نسينا ما الذي حصل بين مصر والجزائر في 2009؟ فقد كان المشهد برمته يدعو للخجل.

سيدي اللواء أبونوار، نم في قبرك قرير العين، فأنت لم تشهد إلا اجتياح بلد عربي لبلد عربي قبل أن تغمض عينيك، واحمد ربك أنك لم تعش لترى التلاشي الفعلي... لا قدّر الله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية