+A
A-

الاستثمارات في التكنولوجيا المالية بلغت 50 مليار دولار

قال عدنان أحمد يوسف، رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين، والرئيس السابق لمجلس إدارة اتحاد المصارف العربية إن المزايا التي تحققها التكنولوجيا المالية لجميع أطراف المصلحة من حكومات وبنوك وعملاء وشركات التكنولوجيا المالية وشركات وأعمال أدت إلى تحقيق نمو سريع في الاستثمارات العالمية في هذه التكنولوجيا خلال السنوات الخمس الماضية، مضيفا أن قيمة الاستثمارات في التكنولوجيا المالية ارتفعت بما يزيد على عشرة أضعاف في الفترة بين 2013 و2017 وتجاوزت قيمة الصفقات 50 مليار دولار عام 2017.
وأوضح يوسف في واحد من سلسلة مقالات يكتبها تحت عنوان "التكنولوجيا المالية وأبعادها المصرفية والاقتصادية" أنه رغم أن النظام البيئي للتكنولوجيا المالية لا يزال في طور النمو في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن اعتماد هذه التكنولوجيا المالية يكتسب زخما كبيرا بين البنوك القائمة وغيرها من الشركات، وقد اتخذت هذه المنطقة خطوات أكبر نسبيا نحو تطوير نظامها البيئي للتكنولوجيا المالية، والاستثمارات لا تزال مركزة في عدد قليل من البلدان، وتقوم الحكومات في هذه المنطقة بدور رائد في تعزيز ابتكارات التكنولوجيا المالية، بينما جاءت مشاركة الشركات الدولية العاملة في مجال التكنولوجيا المالية لتعطي دفعة أكبر في هذا الاتجاه.
وأشار إلى أنه في مسح أُجرى مؤخرا شمل 12 بلدا في منطقة الشرق الأوسط تتضح زيادة عدد الشركات المبتدئة في مجال التكنولوجيا المالية بمقدار سبعة أضعاف منذ عام 2009، وتركزت استثماراتها في مصر والأردن ولبنان والإمارات العربية المتحدة، وقد نشأت هذه الشركات المبتدئة جنبا إلى جنب وفي إطار من المنافسة مع البنوك، التي تستعين كذلك بالتكنولوجيا الرقمية للانتقال إلى نماذج العمل الأكثر تركيزا على العملاء، وبينما لا يزال تغلغل الإنترنت محدودا في بعض البلدان أكثر من غيرها، دخلت شركات الاتصالات إلى أسواقها وتباشر حاليا تقديم خدمات الدفع عن طريق الأجهزة المحمولة. 
وقال ان قطاعات حلول الدفع والإقراض تشكل الجانب الأكبر من الاستثمارات في التكنولوجيا المالية في المنطقة تماشيا مع الاتجاهات العامة العالمية. وتصل نسبة الشركات المبتدئة العاملة في مجالي الدفع والإقراض إلى 50 % و30% على التوالي. ومع هذا، لا تزال المعاملات النقدية مهيمنة، وتظل التكنولوجيا المالية قناة صغيرة نسبيا لحصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التمويل.
وكشف عن أن التكنولوجيا المالية تتيح مزايا كبيرة يمكن أن تخفف وطأة العديد من التحديات الحرجة التي تواجهها الدول العربية والنامية عموما، فإلى جانب رفع كفاءة تقديم الخدمات المالية وتحسين خدمة العملاء، فإن التكنولوجيا المالية يمكن أن تسهم في تحقيق الأهداف الأوسع وهي النمو الاحتوائي وتنويع النشاط الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي من خلال عدة قنوات.
ولفت يوسف إلى أنه من بين تلك المزايا تحقيق النمو الاحتوائي وتنويع النشاط الاقتصادي من خلال الاحتواء المالي: مع تغلغل استخدام الهواتف المحمولة إلى حد يتجاوز عدد الحسابات المصرفية في كثير من البلدان في دول المنطقة، فإن الدفع باستخدام الأجهزة المحمولة، مع وضع القواعد التنظيمية الملائمة، يمكن أن يساعد في تخفيض نسبة السكان الذين ليست لديهم حسابات مصرفية. ومن الممكن أن تقدم التكنولوجيا المالية كذلك مصادر بديلة لتمويل الأسر والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال منصات الإقراض المتوفرة في السوق مثل الإقراض بين النظراء وتمويل التجار ة عبر الانترنت. وعلاوة على ذلك، فإن التكنولوجيا المالية يمكن أن تساعد على زيادة الإقراض المصرفي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. إضافة إلى ذلك، فإن الدفع بالوسائل الرقمية يفتح مسارا للبيانات يتيح للمقرضين فرصة تقييم الجدارة الائتمانية حتى للمؤسسات الصغرى.
ومن المزايا أيضا التجارة عبر الحدود وتحويلات العاملين في الخارج، حيث أن التكنولوجيا المالية والحلول المالية المبتكرة ذات الصلة – مثل دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة القائمة على تكنولوجيا سلسلة مجموعات البيانات "بلوك تشين" ومنصات النظراء – يمكن أن تساهم في توفير آليات للمدفوعات العابرة للحدود تتسم بارتفاع الكفاءة وزيادة الشفافية والمردودية مقارنة بالبنوك التقليدية أو شركات تحويل الأموال التي تعتمد على علاقات المراسلة المصرفية. وبذلك يمكن التخفيف من حدة التحديات التي يفرضها انقطاع علاقات المراسلة المصرفية.
وتابع أنه ثالث المزايا هو الاستقرار والنزاهة في القطاع المالي، حيث من الممكن أن تسهم التكنولوجيا المالية في تحقيق الاستقرار المالي بتخفيض تكاليف التشغيل في البنوك وتسهيل تحليل البيانات الضخمة لأغراض إدارة المخاطر وكشف الاحتيال. وإضافة إلى ذلك، بينما تؤدي التوترات الجغرافية-السياسية الجارية إلى تزايد أهمية التعامل مع قضايا مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سيكون للتكنولوجيا التي تستند إلى البيانات دور مهم في تسهيل الامتثال للقواعد التنظيمية مع انتقال البلدان من مرحلة تحسين القواعد التنظيمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إلى مرحلة تنفيذها، إضافة إلى العمليات المالية والنقدية، فمن شأن التحول الرقمي تيسير رفع كفاءة تحصيل الإيرادات وأداء المدفوعات الحكومية، بينما يمكن للتوسع في استخدام وسائل الدفع الالكترونية أن يحد من الاحتيال ويسهم في فعالية انتقال آثار السياسة النقدية.
واختتم يوسف مقاله بالتأكيد على وجود طلب كامن كبير على مصادر التمويل البديلة ووسائل المدفوعات العابرة للحدود بسبب ارتفاع أعداد السكان الذين ال يتعاملون مع الجهاز المصرفي، وعدم كفاية الخدمات المصرفية المقدمة إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والعمالة المهاجرة واللاجئين. ومع هذا، لا تزال هناك معوقات كبيرة هيكلية ومؤسسية وعلى صعيد السياسات تواجه نمو التكنولوجيا المالية مثل ضعف بيئة الأعمال بوجه عام وندرة حصص الملكية الخاصة ورؤوس الأموال المخاطرة التي ارتكز عليها نمو التكنولوجيا المالية في الاقتصاديات المتقدمة، كما أن عدم اليقين القانوني بسبب الفجوات التنظيمية يعيق نمو هذا القطاع. ورغم العمل الجاري لتطوير الأطر التنظيمية للخدمات المالية الرقمية ووضع قوانين بشأن إصدار النقود الالكترونية في معظم البلدان إلا أن التقدم لا يزال محدودا في وضع قواعد تنظيمية متكاملة للتكنولوجيا المالية.