العدد 3515
الأربعاء 30 مايو 2018
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
حالة هروب!
الأربعاء 30 مايو 2018

في طفولتي؛ كان لي أخ كُلما عنّفه أو وبّخه والدي؛ تَكوّم على نفسه في إحدى الغرف، وضمّ رجليه إلى يديه، ودخل في حالة من النوم، غريبة عجيية، وطبعا؛ كنا نتضاحك عليه، ونكثر من التعليقات، والنكات، ليكون هذا الأخ المسكين؛ موضوع سخرية طوال ذلك اليوم... لم نكن نستوعب وقتها، وربما لم ينتبه كثيرون منا، حتى الآن، إلى أنها حالة هروب؛ يلجأ إليها الشخص؛ بعيدًا عن الشحن، والغضب، وأجواء الاكتئابات المختلفة! في المحصلة؛ كان أخي يبحث عن السكينة، والهدوء، وكأنه كان يُغلق فصلا من كتاب لا يعجبه؛ ليفتح فصلا آخر، أجمل، موائمًا هواه!

لم يكن أخي الصغير – وقتها – يمتلك الوسائل اللازمة، ولم تكن أدوات الهرب الأخرى متاحة، أو ممكنة؛ ففي عمره؛ لم يستطع أن يحجز على أول طائرة؛ ليسافر هربًا، ولا كانت لديه سيارة؛ ليخرج من فوره من البيت، ولم، ولم... ما كان إلا النوم الوسيلة الأرخص، والأسرع، والأنجح للهرب، ومن دون ضرائب!

هل كان عقله الصغير مستوعبًا، أو مدركًا أنه يدخل في هذه الحالة الهروبية؛ حيث الابتعاد الاختياري عن الموقف المزعج، والدخول في عوالم النوم الغيبية!؟ نجزم أنه غير واعٍ، وما تفسيرنا اليوم سوى أن الحكومة تدخلت بسرعة وأنقذت الموقف! طبعا، أظنكم جميعًا تعلمون أن الحكومة الدماغ في الجسد؛ الرأس المدبر، الحاكم الناهي، وإليه يرجع سير العمليات في جسد الإنسان؛ فبمجرد أن يصل إلى هذا الدماغ؛ أن الجسد في خطر؛ نجده يسارع في اتخاذ القرارات الدفاعية اللازمة، في حالة أخي؛ كانت التنبيهات التي تصل إلى الدماغ: ان الجسد يحتاج راحة مؤقتة؛ فجاء الأمر بالنوم.

ماذا عنا نحن الكبار، حين نلجأ إلى النوم؛ لننسى، أو لنبتعد عن وجع النهار، أو الحياة، أو لننهي شجارًا ما أو خلافا؛ بالدخول الاختياري في النوم! مَنْ أجبر مَن على النوم، أنت أجبرت دماغك على النوم، أم أجبرك هو على ذلك؟ الموضوع في هذه الحالة ليس سهلا، أظننا سندخل في حالة صراع طويلة، وربما أرق مزعج قبل أن يستسلم الدماغ ويرسل أمره بالنوم.

في الحقيقة؛ إن حالة الوعي أو الفهم والاستيعاب لواقع أن النوم وسيلة هروب؛ لا تجعل منه هروبًا سريعا، أو مريحا، وعلى افتراض أنه كان كذلك؛ فإن العواقب وخيمة جدا، من دون تنظيرات الأطباء والمتخصصين؛ نحن نعرف تمامًا أنها حالة انتحار بطيء، احذروا النوم المباشر بعد غضب، أو انفعال؛ فقد لا تستيقظون اليوم التالي!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .