العدد 3506
الإثنين 21 مايو 2018
banner
كلكم لآدم... لكن البعض أكثر آدمية من غيره
الإثنين 21 مايو 2018

بينما كنت أستلذ بتناول قهوتي وحيداً في أحد المجمعات التجارية، وقد فرشت أوراقي وكتبي حولي وكأنني أستعد لكتابة ما لم يستطعه الأوائل؛ فإذا بهاتفي يرن ويحمل رقماً خارجياً، وحتى لا أزعج الجالسين أخذته خارجاً، فإذا بالرجل يتأكد من اسمي وبعض البيانات الخاصة بي، استبشرت خيراً، لعلها جائزة أو فرصة عمل من النوع الذهبي، أو “عطية ما من وراها جزيّة” كما يقولون في المسلسلات البدوية، وقد ساق لي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) “الحجرات: 13”، وانثنى يحدّث عن رسول الله (ص): “أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى»، وثنى بالأخذ من الرسول (ص) قوله «وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن»، وعزز ما ذهب إليه مستنداً إلى الرسول الكريم في موضع ثالث وهو يقول: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب».

وإلى هنا وأنا مستمع ومستمتع بكلام الرجل، ولا أدري ما الذي يريده، فبعد أن انتهى المتحدث من هذه السرديات، فإذا به يسألني عن شاب ينتهي اسمه باسم عائلتي نفسه، وإن كنت لم أر الشاب من قبل، ولكنني أعرف والده، وفهمت أن الشاب يريد أن يخطب ابنة المتحدث، فختم كل تلك الباقة من الآيات والأحاديث بقوله: «لكن تعرف العادات الاجتماعية والتقاليد و...»، فوجدت نفسي أخرج من «الذّرابة» والهدوء الذي أدّعي التمتع به لأقول له: «هل تعرف أن (لكن) هذه قد نسفت كل ما تقدّم...»، فقال: «لا تفهمني خطأ، فأنا فقط أردت أن أعرف من أي بطون القبائل أنتم، ولأي الأفخاذ تنتمون، فلقد سمعت أن أصولكم تنحدر من قبيلة (...) فهل هذا صحيح؟!». أجبته: «ربما، وإن كان هذا لا يعنيني، لأن الرسول (ص) نفسه يقول مخاطباً أهله وعشيرته من قريش: «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»، واعتذرت للرجل الذي ضيّع وقته مع الشخص الخطأ، إذ لست بنسّابة، ولا يهمني ما الذي كان عليه من سبقوني في الولادة، وما الذي فعلوا.

هذه المحادثة تذكرتها وأنا أستمع لمقاطع من الزواج الملكي الذي شغل البريطانيين وأجزاء من العالم بزواج الدوق هاري بالممثلة الأميركية السابقة ميغان ماركل، سليل الدم الأزرق إذ يرتبط بامرأة سبق لها الزواج، ومن أعراق مختلطة، ومن «ديرة» أخرى... صحيح أن القصر كان يريد اتباع العادات والتقاليد المرعية، لأن ميغان ليست من «مواخيذهم»، ولكن من يبالي بما هو بالي؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .