+A
A-

محمد بن راشد يكرم صناع الأمل في الوطن العربي

في حفل إنساني استثنائي تابعه الملايين في العالم العربي، كرّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، صناع الأمل الخمسة المتأهلين لنهائيات مبادرة صناع الأمل بمكافأة مالية بقيمة مليون درهم إماراتي لكل منهم، لتبلغ قيمة جائزة "صناع الأمل" خمسة ملايين درهم إماراتي، متوجاً محمود وحيد، أحد صناع الأمل الخمسة، بلقب صانع الأمل العربي للعام 2018 بعدما حصل على أعلى نسبة تصويت في الحفل.

وأعلن صاحب السمو مع نهاية الأمسية الإنسانية الأكبر في العالم العربي عن تأسيس أكاديمية صناع الأمل بخمسين مليون درهم بهدف دعم صناعة الأمل في الوطن العربي، وتوفير حاضنات إنسانية لمشاريعهم، ونقل الخبرات العلمية العالمية في المجال الإنساني لمشاريعهم، وتوفير دورات تدريبية تنفيذية وقيادية لهم بالتعاون مع أفضل الخبرات والمعاهد العالمية المتخصصة.

جاء ذلك في احتفالية حاشدة استضافتها دبي، للاحتفاء بصناع الأمل العرب الذين بلغوا التصفيات النهائية من المبادرة الأكبر من نوعها عربياً لتكريم أصحاب العطاء.

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "نستثمر في صناعة الأمل لأنها الصناعة الأكثر مردوداً لمستقبل عالمنا العربي"، مؤكداً سموه: "أكاديمية صناع الأمل ستكون حاضنة إنسانية ملهمة .. وستعمل على تحويل تجارب صناع الأمل الشخصية لتكون مشاريع إنسانية عربية مستدامة".

وأضاف صاحب السمو: "سنعمل على ترسيخ ثقافة الأمل.. ومأسسة فعل الأمل.. وإدخال معايير العمل العالمية في مؤسساتنا الإنسانية التي تخلق أملاً للشعوب"، لافتاً سموه: "أكاديمية صناع الأمل ستخرّج قيادات في العمل الإنساني.. وستطور مشاريع العطاء والخير والإلهام".

وأكد سموه بقوله: "صناعة الأمل أسلوب حياة.. وكل مواطن عربي غيور على أمته هو طرف مشارك وفاعل فيها"، مشيراً سموه: "الأمل هو الصناعة الوحيدة في العالم التي لا يمكن أن يخسر فيها أحد". 

وأشاد صاحب السمو بمبادرات الأمل التي بلغت التصفيات النهائية من "صناع الأمل" في دورتها الثانية، مهنئاً أصحابها ومثنياً على جهودهم. كما أعرب سموه عن فخره بالآلاف القصص والمشاريع والبرامج والمبادرات الفردية والجماعية التي شاركت في صناع الأمل بنسختيها 2017 و2018، حيث قال سموه: "فخور ب 87 ألف مشارك من أصحاب العطاء.. ومتفائل بجيل عربي يحمل طاقات إيجابية عظيمة"، موضحاً سموه: "لدينا نجوم في سماء العطاء في عالمنا العربي.. ودورنا أن نبرز هذه النجوم للأجيال الجديدة". 

وختم صاحب السمو: "نحن بحاجة لإلهام ملايين الشباب العربي ليكونوا طاقات إيجابية في خدمة مجتمعاتهم".

صانع الأمل الأول

وتوّج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم محمود وحيد من مصر بلقب صانع الأمل الأول في العام 2018 على مستوى الوطن العربي، وذلك عن مبادرته "معانا لإنقاذ إنسان" المعنية بإيواء المشردين في الشوارع من كبار السن، وتوفير كل أشكال الرعاية الصحية والنفسية لهم وتأهيلهم لاستعادة حياتهم الطبيعية والسعي للم شملهم مع أسرهم، بمساعدة عدد من المتطوعين الذين يعملون معه، حيث انتزع اللقب من بين أكثر من 87 ألف صانع أمل شاركوا في الدورة الثانية من مبادة "صناع الأمل". وتم اختيار صانع الأمل الأول عربياً في العام 2018، من بين المرشحين الخمسة الذين بلغوا التصفية النهائية، من خلال تصويت كل من الجمهور وأعضاء لجنة التحكيم.

أكاديمية صناع الأمل

ها ويأتي إنشاء الأكاديمية لتكون حاضنة لإعداد وتهيئة أجيال جديدة من صناع أمل الساعين إلى التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم، من خلال تحويل مبادراتهم الشخصية إلى مشاريع إنسانية ومجتمعية ذات طابع مستدام، بما يسهم في ترسيخ قيم البذل والعطاء على نطاق عريض وإشراك معظم الفئات المجتمعية في العمل الإنساني، بمختلف قطاعاته، ومأسسة صناعة الأمل وتحويلها إلى منظومة عمل ذات إطار استراتيجي، وتمكين العاملين في هذا المجال وتزويدهم بالأدوات والآليات والمناهج المبتكرة في العمل الإنساني والخيري.

وسوف توفر الأكاديمية برامج تعليمية ودورات تثقفية وورش عمل تدريبية في مختلف المجالات الإنسانية والخيرية والتنموية يقدمها أكاديميون وخبراء مختصون لديها إلى جانب خبراء من مؤسسات متخصصة وذات خبرة في العمل الإنساني العالمي بالإضافة إلى شخصيات رائدة في صناعة الأمل إقليمياً ودولياً.

كما سيتم تزويد المنتسبين للأكاديمية بمحتوى تعليمي متطور في مجالات العمل الإنساني والمجتمعي وسبل تطويره وتوسيعه آفاقه وتعظيم حجم الشريحة المستهدف والمستفيدة، وآليات رسم الخطط والاستراتيجيات المستدامة.

المرشحون الخمسة

واستعرض صناع الأمل الخمسة الذين بلغوا النهائيات قصصهم ومبادراتهم في الحفل وسط حضور ناهز 3000 شخص، من مختلف أنحاء الوطن العربي، إلى جانب نخبة من المسؤولين والوزراء وأعضاء من السلك الدبلوماسي في دولة الإمارات، وشخصيات بارزة في قطاع الأعمال الإنسانية والخيرية، إلى جانب إعلاميين وفنانين ومثقفين ومؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي.

وإلى جانب محمود وحيد الفائز باللقب، تشمل قائمة المرشحين الخمسة كلاً من: فارس علي من السودان، صاحب مبادرة "الغذاء مقابل التعليم" التي يسعى من خلالها إلى محاربة الجوع وسط تلاميذ المدارس في المناطق الفقيرة من خلال توزيع الساندويشات عليهم، بالإضافة إلى إطعام الأطفال والمراهقين المشردين في الشوارع ومحاولة دمجهم في المجتمع وتوفير برامج تعليمية لهم؛ ونوال مصطفى من مصر التي كرست نفسها لقضية السجينات وأطفالهن حيث تبنت العديد من المشاريع والبرامج لإعادة تأهيل السجينات ومساعدتهن وتدريبهن على حرف ومهن يدوية لإعالة أنفسهن وأسرهن، كما أسست جمعية "رعاية أطفال السجينات" لتسليط الضوء على الأطفال الذين يعيشون داخل أسوار السجن مع أمهاتهن النزيلات، ومتابعة أوضاعهم وتلبية احتياجاتهم؛ ومنال المسلم من الكويت التي فقدت ابنتها دانة في حادث غرق مؤلم فكرست حياتها لرفع المعاناة عن الآخرين، حيث أسست "فريق دانة التطوعي" لمساعدة النازحين واللاجئين السوريين عبر تنظيم حملات إغاثية لتوزيع المساعدات عليهم وتوفير مختلف الاحتياجات والمستلزمات لهم؛ وسهام جرجيس من العراق التي تتبنى العديد من المبادرات الإنسانية والإغاثية للتخفيف من معاناة شعبها، حيث تزور النازحين واللاجئين والعراقيين في العديد من المخيمات داخل العراق لتوزيع المساعدات عليهم، إلى جانب كفالة الأيتام والمساهمة في بناء وترميم بيوت الأرامل وبناء صفوف لذوي الاحتياجات الخاصة وإنشاء محلات تجارية لمساعدة الأرامل على جني الرزق.

واستعرض المرشحون الخمسة في الحفل مبادراتهم أمام الجمهور ولجنة تحكيم خاصة ضمت كلاً من معالي عهود الرومي وزيرة الدولة للسعادة وجودة الحياة، والإعلامي تركي الدخيل مدير عام قناة "العربية" والفنان الإماراتي حسين الجسمي، الذين طرحوا على المرشحين أسئلة متنوعة حول مبادراتهم ودوافعهم الإنسانية وراءها وأبرز التحديات التي واجهوها. وشهد الحفل عرض قصص المرشحين من خلال فيديوهات مؤثرة لخصت تجربة كل منهم، وسط تفاعل الجمهور مع هذه القصص ذات البعد العاطفي والإنساني، التي كشفت عن حجم المعاناة في مجتمعاتنا وفي الوقت نفسه عن أبطال حقيقيين، ملهمين، نذروا أنفسهم لأوطانهم ولأبناء مجتمعاتهم من خلال تبني قضايا إنسانية ومجتمعية ملحة، ساعين إلى الارتقاء بحياة الإنسان، من منطلق أن لا قيمة تعلو على قيمة الإنسان والإنسانية.

وإلى جانب قصص الأمل المؤثرة، تخلل الحفل الذي قدمه الإعلاميان نيشان ديرهاروتيونيان ومهيرة عبدالعزيز، العديد من الفقرات الفنية، بمشاركة نخبة من نجوم الوطن العربي؛ حيث قدم الفنان الإماراتي حسين الجسمي أغنية خاصة لصناع الأمل، كما أنشد محبوب العرب الفنان محمد عساف أغني "موطني"، وشارك عساف أيضاً الفنانين حاتم العراقي وأحمد جمال وفؤاد عبدالواحد في وصلة غنائية ملهمة، تغنت بالوطن العربي من محيطه لخليجه.

صناع الأمل 2018

وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد أطلق مبادرة "صناع الأمل" في دورتها الثانية في شهر فبراير الماضي، من خلال إعلان مبتكر نشره سموه على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، يعرض فيه وظيفة على شخص كي ينضم إلى فريقه، ضمن شروط محددة من بينها أن يكون عربي الجنسية، ولديه خبرة في العمل الإنساني والمجتمعي ويتمتع بنظرة إيجابية للحياة، ويجيد لغة العطاء قراءة وكتابة، لقاء مكافأة مقدراها مليون درهم إماراتي. وحظي إعلان سموه بتفاعل كبير في الشارع العربي، وتمّ تبادله وإعادة نشره في مختلف المنصات الإعلامية والاجتماعية التفاعلية.

وخلال شهر من إطلاقها، استقبلت مبادرة صناع الأمل للعام 2018 أكثر من 87 ألف مشاركة من مختلف أنحاء الوطن العربي، بزيادة لافتة عن مشاركات الدورة الأولى في العام 2017 والتي بلغت 65 ألفاً.

ومرّت كافة المشاركات بعملية فرز وتقييم ودراسة مستفيضة، حيث خضع المشاركون لتصفيات عدة قبل بلوغ خمسة عشر صانع أمل للتصفية ما قبل النهائية التي أجريت في دبي، حيث استعرض المرشحون مبادراتهم والنتائج التي حققوها على الأرض بالتفصيل أمام لجنة تحكيم خاصة، قبل أن يتم اختيار المرشحين الخمسة للتصفية النهائية.

وخلال مختلف مراحل التصفيات، تم اعتماد معايير وشروط خاصة لاختيار صناع الأمل المؤهلين للقب، من بينها: حجم الأثر الذي تحدثه المبادرة في المجتمع المعني وقدرتها على الوصول بفعالية للشريحة المستهدفة؛ وما إذا كانت المبادرة مبتكرة وخلاقة أم لا بمعنى أن توفر حلولاً ومقاربات خلاقة لتحديات رئيسية في المجتمع المعني؛ ومدى التزام صاحب المبادرة بها وحرصه على إنجاحها واستثمار كافة الجهود الممكنة في سبيل ذلك؛ وقابلية استمرار المبادرة وآفاقها المستقبلية وقدرتها على التطور وتوسيع نطاق تأثيرها لتشمل أكبر عدد من المستفيدين؛ بالإضافة إلى إمكانية استنساخ المبادرة أو تطبيقها في مجتمعات تواجه تحديات أو قضايا مشابهة بحيث تشكل هذه المبادرة نموذجاً يمكن تبنيه على نطاق جغرافي ومجتمعي واسع. 

هذا وفيما يلي نظرة مفصلة عن مبادرات صناع الأمل الخمسة الذين بلغوا النهائيات. 

محمود وحيد..

إنقاذ الكرامة الإنسانية

لم يكن الشاب المصري محمود وحيد مستعداً للمشهد الذي رآه ذات نهار وهو يسير في أحد شوارع العاصمة المصرية القاهرة: رجل نائم على الرصيف.. بملابس رثة، وسط جروح متفرقة في جسده الذي ينهشه الدود. بشاعة المشهد فاقت قدرته على الاحتمال. كان ذلك في العام 2014. لم يشأ محمود أن يترك الرجل على هذه الحالة، فقرر أن يأخذه إلى أحد المستشفيات، وهي مهمة غير سهلة، إذ عانى قبل أن يجد مستشفى يوافق على استقبال "رجل الشارع"، وعانى أكثر قبل أن يجد داراً تقبل إيوائه كمشرد، مسن، فاقد الهوية.

يومها، قرر وحيد أن يتحرك بعدما وقع على العديد من الحالات المشابهة، لمشردين مسنين، وجدوا أنفسهم في الشارع، يتوسدون الأرض العارية ويتلحفون بالسماء، يتناوب على أجسادهم التي استوطنها الهزال والمرض والبؤس برد الشتاء القارص وشمس الصيف الحارقة. ومنهم من يلاقي حتفه، جوعاً أو مرضاً أو يأساً، قبل أن تمتد يد العون لانتشاله.

بمساعدة عدد من أصدقائه ومعارفه ومن خلال تبرعات فردية ومساهمة عدد من المتطوعين، أسس محمود حميد مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان"، كدار شاملة لإيواء ورعاية المشردين الكبار والمسنين، الذين يتم انتشالهم من الشارع وتوفير كل أشكال الرعاية الطبية والنفسية لهم، وإعادة تأهيلهم لسوق العمل، لمن يرغب منهم، إلى جانب البحث عن أهاليهم وإرجاعهم إلى أسرهم.

منذ إطلاق مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان" قبل ثلاث سنوات، تم افتتاح داري مأوى تابعة للمؤسسة، ويجري العمل حالياً على دار ثالثة. وخلال تلك الفترة، ساعدت المؤسسة أكثر من 1000 مشرد، معظمهم من كبار السن، سواء بإيوائهم أو بعلاجهم أو بالمساهمة في إرجاع البعض منهم إلى أهاليهم، حيث نجح حتى الآن بلم شمل 85 مشرداً مع أسرهم.

ويعمل مع محمود مجموعة من الشباب المتطوعين، كما يدعمه أكثر من 250 ألف متطوع على وسائل التواصل الاجتماعي، يساعدونه في الوصول إلى المشردين أو في توفير معلومات عنهم وعن أهاليهم. وتضم المؤسسة أيضاً مشرفين وممرضين يتابعون حالة النزلاء على مدار 24 ساعة. كما يتلقى المسنون رعاية نفسية وطبية متخصصة، حيث يزور طبيب نفسي الدار مرة في الأسبوع، بالإضافة إلى الاستعانة باختصاصي علاج طبيعي، وأطباء من مختلف التخصصات لمتابعة الحالة الصحية العامة للمسنين.

صانع الأمل محمود وحيد لم يرضَ أن تهان كرامة الإنسانية، فتحرك في داخله الإنسان. طموحه هو أن يكبر مشروعه ليتسع لكل المشردين الذين لا مأوى لهم، بحيث لا ينام مصري في الشارع.

فارس علي

الفارس الذي حارب الجوع

الجوع كاسرٌ وقاهر.. يطحن الجسدَ ويذلّ النفس.. حقيقة أدركها صانعُ الأمل العربي فارس علي، من السودان، حين وقع بصره ذات يوم على تلميذة جائعة تجمع فتات الخبز مما كانت تقتات عليه الأغنام وتنقعه بالماء قبل أن تأكله. هذا المشهد كان كسكين غرُست عميقاً في قلبه.

لكن الجوع ليس ظاهرةً عابرةً أو محصوراً ضمن حالات فردية؛ فآلاف الأطفال والمراهقين يتسربّون من مدارسهم في العديد من قرى ومناطق السودان بسبب الجوع.. يخرجون من بيوتهم، التي استوطن فيها الفقر وضيق ذات اليد، جياعاً دون وجبة فطور أو ساندويشة تسند قاماتهم الهشّة؛ ومن ثم يقضون النهار على مقاعد الدرس بالكاد يستطيعون استيعاب كلمة مما تُقال. والسؤال هو: كيف تتوقع من طفل أو أي شخص أن يقدم ويعطي ويبدع وينجز بمعدة فارغة؟ سؤال دفع فارس كي يقوم بشيء.

كان ذلك من نحو ثماني سنوات. البداية كانت من بيت والدته التي أعدت له مجموعة من الساندويشات، وسرعان ما بدأ المجتمع المحلي من حوله يتبرع بالطعام، ليجمع فارس الساندويشات ويقوم بتوزيعها على عدد من تلاميذ الأطفال في الصفوف المدرسية، متنقلاً من مدرسة لأخرى بسيارته، ليكون ذلك نواة مبادرته التي أطلقها "التعليم مقابل الغذاء".

لم يكتف فارس بإطعام الأطفال، الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة، مكابدين الجوع رغم كل شيء، بل استهدف البطون الخاوية لمئات الأطفال المشردين في الشوارع الذين تركوا بيوتهم وهجروا مقاعد الدراسة بسبب الفقر والبؤس، ليُسهم في دمجهم في المجتمع وإعادتهم إلى التعليم، إيماناً منه بأن التعليم هو أكبر حصانة لهم من ويلات الشارع.

ومن عشرين ساندويشه انطلق منها فارس ليطعم عدداً من الأطفال الجياع، ها هو مشروعه اليوم يوفر الساندويشات لأكثر من 35 ألف طالب وطالبة يومياً في 132 مدرسة. تعمل المبادرة تحت مظلة فريق "مجددون" التطوعي الذي أسسه فارس، حيث انضم إليه عدد متزايد من المتطوعين، تحت ظروف قاسية، مدفوعين بما يقومون به بشعورهم أنهم يصنعون شيئاً من أجل مستقبلهم بلدهم.. السودان.

خلال ثماني سنوات، قدمت مبادرة "التعليم مقابل الغذاء" أكثر من 40 مليون ساندويشه مجاناً للطلاب، كما ساهم فارس وفريقه الذي يناهز 1200 متطوع في توفير مياه للشرب في 100 مدرسة. وبمساعدة عدد من المنظمات الإنسانية، تمكن فريق فارس من صيانة نحو 20 مدرسة إلى جانب توفير مدرسة في الشارع (في الهواء الطلق) بالقرب من مقر عمل فريق فارس في الخرطوم متاحة لأي طفل أو مراهق مشرد يبتغي العلم واللقمة التي تسد الجوع.

بفضل فارس وفريقه، ثمة أطفال في السودان باتوا ينهضون كل صباح يتوقون للتعلم، يسرعون إلى مدارسهم، تسبقهم أحلامهم الجميلة للمستقبل، ويعرفون أن الجوع لن يعرف طريقه إلى بطونهم هذا اليوم.. سوف يأكلون ويشعبون وينتظرون الغد بشوق أكبر.

نوال مصطفى

نصيرة السجينات وأطفالهن

موقف واحد كان كفيلاً بأن يغير حياتها.. ومعها حياة الآلاف من النساء؛ فقبل نحو ثلاثين عاماً، زارت الصحفية والكاتبة الشابة نوال مصطفى سجن القناطر للنساء، في مدينة القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية بمصر، كي تعدّ تحقيقاً صحفياً.. كانت تأمل بأن ترصد واقع النزيلات في السجن. لم تتخيل يومها أن يستقبلها في باحة السجن مجموعة من الأطفال الرضع، وقد "حُبسوا" فعلياً مع أمهاتهن السجينات في ظل عدم وجود أحد أو جهة ترعى الصغار.

تعرفت نوال على العديد من السجينات وحكاياتهن "المعجونة بالدموع"، كما تصفها، ومعظمهن "غارمات" دخلن السجن بسبب ديون مالية مترتبة عليهن وعلى أسرهن جرّاء الفقر والجهل بالقوانين واستغلال الآخرين لهن، منهن حبالى، ولدن صغارهن في السجن، في مأساة يبدو أنها ليست استثناء.

لكن المشكلة لم تكن تتوقف عند هذا الحد، فحتى حين تسدد السجينة ديونها أو تقضي فترة محكوميتها، فإن أبواب السجن تُفتح على سجن أكبر.. سجن المجتمع الذي ينبذها، بعدما اقترنت بها "وصمة" السجن.. وهي وصمة تلازمها وتلازم أسرتها لتصبح حياتها جحيماً، وتسد في وجهها سُبل العيش الكريم.

هنا عرفت نوال، وهي كاتبة وإعلامية، أن القدر اختارها لهذه القضية، لخدمة هؤلاء النساء وأطفالهن. فبادرت بالخطوة الأولى؛ حيث أسّست، بالتعاون مع مصلحة السجون، مركزاً داخل سجن القناطر لتأهيل السجينات وتعليمهن بعض المهن والحرف اليدوية كي تعينهن على كسب رزقهن داخل السجن وخارجه.

ولما كان أطفال النزيلات قضية ملحة، تستدعي تحركاً عاجلاً، قامت بتأسيس جمعية "رعاية أطفال السجينات" بهدف تسليط الضوء على واقع الأطفال الذين يعيشون داخل أسوار السجن مع أمهاتهن النزيلات، ومتابعة أوضاعهم وتوفير احتياجاتهم، من ذلك استصدار كافة الأوراق القانونية والثبوتية الخاصة بهم كشهادات الميلاد.

بالنسبة لنوال، فإن مساعدة السجينات يجب أن تتخذ طابعاً يتسم بالديمومة والاستمرارية، من خلال مشاريع وحملات لا توفر لهن مصدراً للرزق فحسب، وإنما تسهّل دمجهن في المجتمع.

من بين المبادرات والبرامج الكثيرة التي تبنتها نوال تأسيس حاضنة أعمال للسجينات السابقات، تستقبل النزيلات كي يتدربن من خلالها على مهنة أو حرفة تمكنهن من إعالة أسرهن وأطفالهن. كما أقامت العديد من ورش الخياطة والتطريز داخل السجن لدعم النزيلات أثناء قضاء محكوميّتهن، وأطلقت حملة "سجينات الفقر" لدعم الغارمات وتسديد ديونهن.

وحتى اليوم، أسهمت نوال في إطلاق سراح أكثر من 1000 سجينة غارمة، كما ساهمت في تأسيس أكثر من 1000 مشروع صغير للسجينات السابقات، ودرّبت أكثر من 500 سجينة سابقة على بعض الحرف والمهن لتساعدهن في كسب قوتهن.

ومن إنجازاتها الإنسانية أيضاً تقديم مساعدات عينية بصفة مستمرة لأكثر من 2500 أسرة من أسر السجينات، بالإضافة إلى مساهمتها في علاج 500 طفل من أطفال السجينات خارج السجن، والتكفل بالمصاريف المدرسية لـ 500 طفل من أطفال السجينات، وغير ذلك من مشاريع وبرامج وحملات تسعى إلى إحداث فرق جوهري في حياة نساء وجدن أنفسهن في مهب رياح الحاجة، وقد كُتب عليهن مواجهة عار السجن داخله وخارجه.. وها هن اليوم، بفضل صانعة الأمل نوال، يجدن باب الحياة الكريمة مفتوحة لهن، وقد تركن ماضي السجن خلفهن. 

منال المسلم..

صناعة الأمل من الألم

كيف تصنع من المأساة والحزن والفقد المرير أملاً وحياة؟ هل يمكن أن يكون الموت سبباً في منح الآخرين حياة أفضل؟

هذا ما اكتشفته صانعة الأمل منال المسلم من الكويت. منال، أو "أم دانة" كما تُحبّ أن تُلقَّب. لم تكن تدري "أم دانة" حين كانت تقضي إجازة ممتعة على شاطئ البحر أن حياتها سوف تنقلب رأساً على عقب، وأنها ستُصاب بفقد سيحفر جرحاً غائراً في قلبها، حين لقيت ابنتها دانة، ذات الخمسة أعوام، حتفها غرقاً. كان ذلك في العام 2013. يومها، شعرت منال أن حياتها انتهت. لكن من وسط الألم، أزهر في قلبها أمل.. اسمه دانة.

أسست منال "فريق دانة التطوعي" لمساعدة النازحين السوريين داخل سوريا واللاجئين منهم في عدد من دول اللجوء، من خلال توزيع المساعدات العينية والإغاثية وتوفير مختلف الاحتياجات والمستلزمات الغذائية والعلاجية إلى جانب توزيع الخيم والملابس والمدافئ والبطانيات وغيرها.

وحتى اليوم نظم الفريق خمس حملات تطوعية إغاثية تحت اسم "روح الأمل" لمساعدة النازحين السوريين، حيث تم توزيع أكثر من 330 ألف سلة غذائية، وتقديم الدعم المباشر لخمسة آلاف طفل، إلى جانب تقديم الدعم الطبي لأكثر من 82 ألف مريض، وتقديم المساعدات لأكثر من 52 ألف أسرة. وفي المجمل، استفاد من حملات "روح الأمل" استفاد منها أكثر من 340 ألف شخص.

صحيح أن دانة رحلت، لكن هناك مليون دانة.. كما تقول منال. وكل طفل تسهم منال في رسم البسمة على وجهه أو رفع المعاناة عنه، تشعر بأنها استعادت دانة من خلاله.

سهام جرجيس..

من ملكة الجمال إلى ملكة القلوب

على الرغم من أنها تخطت الخامسة والسبعين من العمر، إلا أن سهام جرجيس تعمل بحماسة الشباب وطاقتهم واجدة في العطاء حياة.. لها ولغيرها. ابنة بغداد التي تُوجت على ملكة على عرش الجمال في مطلع ستينات القرن الماضي، لا تزال تحنّ إلى الأيام الجميلة التي عاشتها في شبابها في العراق. لكن العراق اليوم جريح.. وجراحه كثيرة، وسهام، ابنة العراق الحبيب، قررت ألا تترك بلدها ينزف وشعبها يعاني دون أن تتحرك.

من خلال جهد ذاتي بحت وبمساعدة أصحاب الخير الذين تتواصل معهم، تتبنى سهام العشرات من المبادرات والحملات الإنسانية التي تسعى إلى التخفيف من معاناة أبناء وطنها، فتقوم بتنظيم العديد من الحملات الإغاثية لتوزيع المساعدات على المحتاجين والنازحين في العديد من المخيمات في العراق، وتحديداً في محافظتي الموصل والأنبار. وتشمل هذه المساعدات الإغاثية توزيع الحزم الغذائية والملابس والأدوية ومهود الأطفال وبرادات الماء صيفاً والمدافئ شتاء.

وتحرص سهام على أن تتحرى بنفسها عن الحالات الإنسانية التي تصلها كما تتحرى عنها وعن احتياجاتها بدقة، موثقة أنشطتها الإنسانية ومبادراتها الخيرية على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك، تحرص سهام على الإشراف على توزيع هذه المساعدات، متفقدة أوضاع النازحين، الذين باتوا يستقبلونها بترحاب منتظرين الخير على يدها، هي التي باتت اليوم تتربع على عرش قلوب الأطفال والنساء والرجال في بلد أثخنته الجراح.

تقيم صانعة الأمل سهام في دولة الإمارات التي قدمت إليها مع عائلتها في العام 2005، واجدة في حياتها الجديدة في الإمارات فرصة لمد جسور العطاء مع بلدها الذي لم تغب صورته في قلبها لحظة. فمنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، ساهمت جميلة بغداد من خلال مشاريعها ومبادرتها في التخفيف من معاناة أكثر من 100 ألف شخص. كما ساهمت في علاج أكثر من 200 حالة مرضية تعاني من أمراض خطيرة كالسرطان أو الفشل الكلوي والكبد وغيرها، وذلك داخل العراق وخارجه. كما عملت على بناء وترميم أكثر من 15 داراً للأرامل والأيتام، إلى جانب بناء صفوف لذوي الاحتياجات الخاصة وأطفال التوحد في الأنباء، وإنشاء معمل للخياطة في أحد مخيمات النازحين، وإنشاء محلات تجارية صغيرة لبيع المواد الغذائية كي تكون مصدر رزق للأرامل، وكفالة أكثر من 75 يتيماً، وما إلى ذلك من مشاريع وبرامج تغطي مختلف أنواع الاحتياجات في بلد كالعراق يواجه الموت والخراب كل يوم.

طريق العطاء ليست سهلة بالنسبة لسهام. وكثيراً ما تجد صعوبة في تأمين احتياجات كثيرة للناس، ومع ذلك لا تيأس وتصر على مواصلة صناعة الأمل، مؤكدة بأنها نذرت حياتها لبلدها وأبناء بلدها حتى آخر يوم من عمرها.

عن صناع الأمل

تعد "صنّاع الأمل" أكبر مبادرة من نوعها في العالم العربي تهدف إلى تكريم أصحاب العطاء، جنود الإنسانية المجهولين، الذين يسعون من خلال مبادراتهم ومشاريعهم الإنسانية والمجتمعية التطوعية، التي يقومون بها دون مقابل، وذلك للتخفيف من معاناة المحتاجين ومساعدة الفئات الهشة والمهمشة في المجتمع وتقديم يد العون للمحرومين، وترسيخ ثقافة الأمل، وتكريس قيم العطاء والتفاؤل، ومحاربة اليأس ونشر الإيجابية، والعمل من أجل تحسين جودة الحياة والارتقاء بواقع الحال في أوطانهم ومجتمعاتهم. وتستهدف "صناع الأمل" الأفراد والفرق والمؤسسات غير الربحية الذين لديهم مبادرات أو برامج تعليمية أو صحية أو بيئية أو خدمية أو تنموية أو تثقيفية، موجهة إلى فئة أو شريحة مجتمعية بعينها، بهدف إحداث فرق إيجابي في حياتها والمساهمة في بناء واقع أفضل لها، الأمر الذي ينعكس على استقرار المجتمع وتعزيز أواصر التعاضد والتكافل الإنساني والمجتمعي ككل.

وتندرج صناع الأمل تحت مظلة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، التي تضم 33 مؤسسة إنسانية، تنفذ أكثر من 1400 برنامج خيري وإنساني ومجتمعي في 116 دولة يستفيد منها أكثر من 130مليون شخص في مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم.