العدد 3460
الخميس 05 أبريل 2018
banner
الاستثمار في البشر كالنفط في الحجر
الخميس 05 أبريل 2018

كنت أودّ الاستمرار في طرح مسألة قطع الطريق أمام تعوّد ارتكاب الأخطاء، ولكن موضوع اكتشاف أكبر حقل نفطي في البحرين لابد أن يفرض نفسه على المشهد المحلي العام، فالبحرين أوّل الدول الخليجية العربية التي ظهر فيها النفط مما فتح شهية الشركات المنقبة لإجراء المزيد من المسوحات التي انتهت باكتشاف الكميات التي جعلت من دول مجلس التعاون، من أكثر الدول قوة وتأثيراً في السوق النفطية العالمية، وقادت هذه المادة الخام إلى إعمار الدول التي اكتشف فيها، وتقلبت أوضاعه على مدى العقود الثمانية الماضية بين النعمة والنقمة.

الأهم في موضوع الحقل الأحدث، والأكبر، وكل ما يتعلق باستخراج النفط الصخري، وكل ما ليس لنا أن نعرفه بالضرورة ونعرف دهاليزه كغير متخصصين في الصناعات النفطية؛ أن مداخيل هذا الحقل يجب ألا تمرّ علينا مرّ السحاب، وألا نكرر التجربة السابقة في التعامل مع الثروة النفطية بأنها من سيدفع الرواتب، وأنها من سيسدد الدين العام، وأنها من “سينـغـنـغ” الأفراد والمؤسسات، وهي التي ستعمل على “فكّ الحزام”، فنأخذ مما تحت الأرض لننفق على من فوق الأرض، ويستمر الرّيع هو الأساس والمسيطر على كل ما عداه، ونعود، من بعد بدء شدّ أوّلي بسيط، إلى الاسترخاء والطمأنينة.

في السنوات القليلة الماضية بدأ القلق “الحميد” يسيطر على الكثير من الناس، خصوصاً الجيل الشاب الذي يتخرج ويرى جميع الفراغات الوظيفية قد سُدّت، والمقاعد حُجزت، ومساحات العمل ضاقت، فبدأ في شقّ طريقه الخاص، وابتداع الأفكار الجديدة، وتقديم الخدمات والحلول، والدخول في مناطق ما كانت مطروقة سابقاً بالنسبة لمن كانوا في عمره، وصار الكثير منهم يودّون الحصول على الوظيفة المريحة والمجزية في الوقت نفسه، ولكن هيهات تتوفر هذه الوظائف في أيام العسرة، وقد علّمنا النفط أساساً في هذه المنطقة أن الاقتصاد دورات متتالية، فمن سرّه زمنٌ ساءته أزمان، فما إن تبدأ الدورة في الاتجاه التنازلي حتى تصبح وجوه الناس كالحة، وتبدأ الميزات تنسحب الواحدة بعد الأخرى، ويبدأ عصر الرسوم والضيق.

أعود إلى الشرط مجدداً، سيستلزم الأمر إعادة تعريف الرّفاه مجدداً، والاستثمار في الإنسان - المواطن عبر دفعه إلى استكشاف حدود إمكاناته القصوى، والتعامل معه بمنطق “زين منّه”، بل على القدر الأعلى من التنافسية الحقيقية مع الآخرين، مع مدّه بالتدريب والتجهيز ليفوز في السباق، لا أن نأتي بمن يتسابق عنه.

أثبت البحرينيون على مدى التاريخ أنهم على قدم المساواة مع الشعوب الأخرى، ولن أبالغ في تصنيفهم فوق قدرهم، وهذا يعني أنهم ليسوا أقلّ من غيرهم في القدرات العقلية والإبداعية، ولكنهم سيحتاجون على الدوام، كما يحتاج غيرهم أيضاً، إلى دعمهم حتى ينجحوا وليس عرقلتهم بالبالي من القوانين والأنظمة التشريعية والتعليمية التي تربّي العته والسذاجة فينا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .