العدد 3450
الإثنين 26 مارس 2018
banner
ورقة اعتراف إلى قارئتي المتوفاة
الإثنين 26 مارس 2018

وأنا أحاول أن أكتب عنها، استغرق الأمر مني وقتًا طويلًا لتحديد قالب الكتابة.. عمود أم مقال.. حلقة أم حلقات؟!

كنتُ للحق، عاجزًا عن تحديد نوع المساحة، فكيف والحال بالأسلوب الذي من شأنه أن يستدرج قارئة تتمتّع بذائقة عذبة حتى نقطة النهاية؟!

كيف أكتب ما يليق بقارئة لم تسحرها أضواء الدنيا، وكان جل آمالها أن تكون حياتها ليست قاتمة. لقد عاشت بقلبٍ رقيق 37 عامًا حتى قرّر أن يتوقف نبضه فجأة؛ لتمضي كالفراشة وتثكلني بغيابها الأبدي المظلم.

أتحدّث هنا عن قارئة وفية لي حتى الرمق الأخير، عايشت معي تجربتي الصحافية منذ بداياتي في العام 2002 واستمرت كذلك حتى رحيلها في العام 2018، من دون أن تشاركني بقية كلماتي. إنها القارئة التي كانت تتناصف معي وسادة همي وفرحي.. أحلامي وواقعي.

كانت باختصار زوجتي الحبيبة التي اختارها الموت بغتة لترملني باكرًا وتورثني فقدًا مؤلمًا لست قادرًا على تجاوزه. لكنني رغم ذلك لازلت قادرًا على الكتابة لها أو عنها دون أدنى شعور بالخجل أو الرهبة، حتى وإن كتبت أسوأ مقالاتي.

ولكِ يا قارئتي المتوفاة أن تتخيلي وضعي وأنا أكتب هذا المقال بعد محاولات فاشلة لإقناع ابنتك الوسطى أمل (7 سنوات) لتنام دون أن تزعج أختها الكبرى ريم (10 سنوات) في ليلة الأحد التي يعود فيها الناس إلى رتم حياتهم الاعتيادية.

وليس من المُصادفة شعوري بثقل هذه الليلة دون غيرها من ليالي الأسبوع، فقد صادف رحيلك عصر السبت الموافق 10 فبراير الماضي، وأذكر أنني قضيت أسوأ ليلة في حياتي منذ أن عرفتك قبل 20 عامًا.

هذه الليلة الثقيلة، هي ذاتها التي بتُّها ساهرًا لكتابة مقال مضطرب، لكنه في واقع الحال لا يعدو كونه ورقة اعتراف صريح لدوركِ الكبير ودعمك المؤثّر في مسيرتي المهنية. ولست هُنا بصدد سرد مناقبك في حياتي الشخصية. إلا أن الاعتراف فضيلة. فمهما كتبت فلن أوفيك حقك.

غير أنه لا يضيرك شيء من حقيقة تعرفينها جيدًا، فذكرك مُستمر بعدما تركتِ لنا أثرًا مميزًا تمثله ورداتك الثلاث ريم وأمل ونور.

أما روحك العطرة فكل من عرفك يستنشق منها نفحة طيبة، وبحزن عظيم ورضا بقضاء الله، يهون علينا فقدك أنه لا خوف عليك وإنما الخوف علينا، فأنتِ اختارك الله للملكوت الأعلى فيما بقينا نحن في الدنيا الفانية.

رحمك الله يا أم ريم وطيّب ثراك.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أحمد كريم

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية