العدد 3443
الإثنين 19 مارس 2018
banner
مصاصو الأرزاق
الإثنين 19 مارس 2018

تسرد القصة الأصلية “لفلاد الثالث المخوزق” أو مصاص الدماء الأول، حكاية المحارب الذي حكم رومانيا في القرن الخامس عشر، واعتبره الرومانيون بطلًا قوميًا أنقذ أوروبا من المد العثماني، بينما نظر إليه البعض على أنه مجرم، أنهى حياة عشرات الآلاف من دون رحمة أو شفقة.

ولقب فلاد بـ “دراكيولا” لانضمامه لما سمي بـ “عصبة التنين”، التي كانت اتحادًا سريًا، ضم مجموعة من أمراء، ونبلاء أوروبا الوسطى والشرقية؛ للوقوف ضد المد العثماني.

ويعني اسم “دراكيولا” باللاتيني “ابن التنين”، علمًا أن فتره حكمه لم تتجاوز السبعة أعوام فقط، لكنه كان دمويًا، ولقب بـ “فلاد المخوزق”؛ لأنه كان يستخدم الخازوق في القضاء على خصومه، وكان يتذوق دماءهم كطريقة للاحتفال بالنصر، الأمر الذي ألهم هوليوود لصناعة مئات الأفلام عنه.

وفي البحرين، لدينا أنواع جديدة من “فلاد المخوزق”، مصاصو دماء عصريون، إن صح التعبير، ينتقلون هنا وهناك، بالبدلات الأنيقة، والابتسامات العريضة، ولكنهم لا يمصون الدم كصديقنا “فلاد”، وإنما أموال الفقراء من الأسر البسيطة، والفقيرة، والمتعففة، تحت ذريعة الدروس الخصوصية.

مصاصو الأرزاق هؤلاء، الذين تعاقدت معهم الدولة، عبر “باكجات” عمل بمزايا لا يحصل عليها المعلم البحريني نفسه، وجدوا في البحرين فرصة سانحة لتعديل أوضاعهم، وشراء الشقق بأوطانهم، وتحقيق الاستقرار الذي لطالما حلموا بشطر ضئيل منه، على حساب البلد المضيف، بعيدا عن رسالة التعليم التي جلبوا لأجلها.

وكانت أحدى أولياء الأمور قد عقبت ضاحكة على مقالي السابق (حين يكون المعلم بلا ضمير)، والذي وصفت به مشاهدتي الشخصية لأحد المدرسين الخصوصيين وهو يتجرع العصير، بطريقة مقززة، بأحد البيوت المتعففة، بقولها “مدرس أولادي، بعد ما يخلص تدريسهم، يأخذ معاه علبة العصير، والماي، وأي شيء أخليه جدامه، تفاح، برتقال، اللي هو”.

ولية أمر أخرى، قالت لي إنها رأت مصادفة مدرس ابنها، وهو يقدم دروسا خصوصية لابن صديقتها، وحين طلبت منه أن يقوم بتدريس ابنها، بعدما أن عرفت نفسها له، ولى هاربا من بيت صديقتها، ولم يعد مرة أخرى، حتى اللحظة.

وحين سألتها عن السبب قالت “يتحذرون المشاكل والشكاوى عليهم، فيقوم كل منهم بتدريس الطلبة من المدارس الأخرى، ويتمنعون تمامًا من تدريس طلبتهم”، وأضافت “لديهم خبرة واسعة، مكنتهم من صناعة سوق سوداء ومربحة في بلادنا”.

وقال أحد أولياء الأمور إن ابنه سمع حديثًا دائرًا بين معلمه ومعلم آخر - من جنسيات عربية - حيث كانوا يتباهون فيما بينهما، ليس بتحقيق التحصيل التعليمي لأبناء الناس، وإنما بعدد الطلبة الذين يقدمون لهم الدروس الخصوصية.

ويشكو الكثير من أولياء الأمور من انحدار مستوى التعليم بعدد واسع من الفصول الدراسية بسبب حضور المدرسين وهم بحالة إنهاك وتعب؛ نتيجة انشغالهم بالدروس الخصوصية المكثفة في الفترات المسائية.

كما يشكو آخرون من استغلال هؤلاء المدرسين فترات الامتحانات، إذ يضعون أسعارا انتهازية، ويقولونها بملء الفم: “هذا الموجود”.

ونحن لا نشيح الوجه عن المسؤولية التي تتحملها الأسرة قبالة تشجيع تزايد رقعة تجارة مص الأرزاق هذه، ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الوسائل الانتهازية التي يتبعها مصاصو الأرزاق في المدارس، والتي تشمل المزايدة على مستوى جودة التعليم، وأفضلية الدرجات، ولا صحة لما يروج بأن الأسرة البحرينية سبب لما يجري، ولا صحة بأن أولياء الأمور لا يولون أبناءهم التعليم المنزلي الوافي، لكن الضغوطات الجاثمة عليهم، لا تمنحهم الكثير من الخيارات.

وزارة التربية والتعليم، ممثلة بأعلى رأس الهرم بها، وأعني الدكتور ماجد بن علي النعيمي مدعوة لأن تتخذ خطوات رادعة، في قبال من حولوا مهنة التعليم إلى مهنة لمص أرزاق الشعب، خطوات تبدأ بإصدار قرارات تمنع مدرسي الحكومة - أيا كانوا - من ممارسة تجارة مص دماء الناس (الدروس الخصوصية)، وبعقوبات تصل إلى الفصل من العمل.

كما أن الوزارة مدعوة أيضا للنظر بالفوضى الحاصلة ببعض المعاهد التعليمية، والتي زاد عددها عن محلات بيع الفواكه والخضار، والتي أصحبت أوكارا لتعشيش مصاصي الدماء هؤلاء، حيث يقاد الطلبة والطالبات إليها ليس بإرادتهم، وإنما قسرًا للأسباب التي ذكرتها، وللحديث بقية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .