العدد 3439
الخميس 15 مارس 2018
banner
حين يفقد المعلم ضميره
الخميس 15 مارس 2018

أثناء إعدادي لتحقيق صحافي بمنطقة قلالي، التقيت سيدة من الأسر المتعففة، إذ شكت لي الحال، كما هي عادة ابن البلد اليوم، من غلاء، ومطالب الأولاد، وتراكم الديون، وتزايد الطلبات وغيرها.

وأثناء ذلك، تفاجأت بقدوم مدرس عربي إلى البيت الرث، والمتهالك، والمتصدع، فقالت لي الأم همساً: مدرس الدروس الخصوصية.

وبعد جلوسه مع أبنائها بإحدى زوايا الصالة، وعلى وجهه ابتسامة عريضة، مد يده لكوب عصير كان أمامه، ثم بدأ يتجرعه بطريقة مقرفة، وبصوت صاخب.

رافقتني الأم للخارج، وهي تقول بضيق شديد: أضطر بكثير من الأحيان إلى منح الأولوية لمصاريف الدروس الخصوصية على حساب المأكل، والمشرب، وبقية الأساسيات الأخرى لأبنائي، رغما عن أنفي.

وأضافت بمضض وهي تقرأ الاستنكار بوجهي: الدروس الخصوصية حاجة ملحة أخي إبراهيم؛ لأنك لو لم تفعل ذلك، ستجد ابنك وبكل بساطة بذيل القائمة المدرسية، وهو بحالة رهيبة من الإحباط، إنهم يبتزوننا، ولكن ما باليد حيلة.

سألتها عن الأسعار فقالت: في الأيام العادية الساعتان بـ15 دينارا، وفي أيام الامتحانات، تصل الساعة الواحدة الى 15 دينارا.

وتقول: مؤخرا خفض لي المدرس دينارين ونصفاً عن كل ساعة، بعد أن رجوته، وأكدت له أن لدي 3 أطفال.

تخيلت ساعتها بقرارة نفسي المشهد، سيدة بحرينية وأم فاضلة تستجدي هذا المعلم الوافد، وهو يطأ بقدمه على ضميره، مفاوضا إياها على أسعار تعليم أبنائها، والذي يتلقى لأجله أجرا مجزيا من الدولة، تضاف إليه العلاوات، وتذاكر السفر السنوية، وغيرها.

وكنت قد تتبعت هذه الظاهرة باهتمام، بعد هذه الحادثة مباشرة، مع جمع من أولياء الأمور والنشطاء الاجتماعيين وغيرهم، لأتفاجأ بمفارقات عدة صادمة كالتالي:

- يتجه بعض المدرسين العرب، الذين تتعاقد معهم وزارة التربية والتعليم، لترسيخ ثقافة الدروس الخصوصية، من خلال تمييز الطلبة الذين يأخذون الدروس دون الآخرين، بأفضلية الدرجات، والمعاملة، وبغض النظر عن التفاوت بالمستوى التعليمي، أو الأخلاقي.

- تتجه بعض القيادات التربوية والتعليمية، وبشكل صادم، للاستعانة بالمدرسين الخصوصيين لتعليم أبنائهم، فبدلا من أن يكونوا قدوة ورداعا لهذا الابتزاز، أصبحوا “كوبري” لتمريره، ونشره.

- يتعمد بعض المعلمين معدومي الضمير، دفع وتشجيع الطلبة للإلحاح على والديهم؛ لإشراكهم بمستنقع الدروس الخصوصية.

- يخسر الكثير من الطلبة أحقيتهم في نيل التعليم الوافي، والمتكامل؛ بسبب نقل هؤلاء المعلمين مزايا التعليم الجيد لأجواء الدروس الخصوصية نفسها.

- يستغل هؤلاء القراصنة مواسم الامتحانات لتعظيم المدخول المالي لهم، على حساب أبناء البلد، وغيرهم، بوضع الأسعار التي تتناسب مع ظروفهم، والتزاماتهم المالية، دون وضع أي اعتبار للبلد المضيف.

إن الدولة، ومجلس النواب، ووزارة التربية والتعليم، وأولياء الأمور، لشركاء في وأد استفحال هذه الظاهرة المفتتة، والتي لا تضر الحراك التعليمي فقط، بل استقرار الأسرة، ومواردها، ونفسية الطالب، وكذلك أحقية اغتنام الطلبة مزايا التعليم الجيد.

وعليه، فنحن نأمل أن نسمع عن قرارات حاسمة، وتشريعات مفصلية، تعيد مسار العملية التعليمية إلى المسار الصحيح.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية