العدد 3436
الإثنين 12 مارس 2018
banner
يا خليج... يا واهب المحار
الإثنين 12 مارس 2018

لا أنكر حالة الغليان التي أصل إليها عندما يبدأ بعض العرب في الشمال أو الغرب التقليل من شأن عرب الخليج، التصغير من شأنهم، وصفهم بما لا يليق بأنهم بلا حضارة (على اعتبار أن للحضارة وجها واحدا في بعض البلدان ومن غير هذا الوجه فلا حضارة تذكر)، وأنهم لولا نعمة النفط، ويتمنى البعض، صراحة وبدون مواربة، أن تنتهي، لأكلهم الجرب، وباتوا يلوكون بأفواههم عشب البر!

لا أنزّه نفسي من الانسياق أحياناً في مشادّات، ليست للدفاع والإنكار، ولكن لكبح هذا الانسياق في غير محله، والجاهز والناجز الذي يجري استلاله من على الرفوف لرمي عرب الخليج به من قبل كثير من عرب الجهات الأخرى، ويشعر المرء بأن الخليجيين مرشحون للهجوم بدءاً، سواء قاموا بفعل أي شيء، أو لم يقوموا، كأن يعلق أحد “العرب” في برنامج لإذاعة بي بي سي عن انفلات قوانين السير في بلده فيقول إنه بسبب السواح الخليجيين، ومشاكل لدى الفتيات في المغرب العربي بسبب السواح الخليجيين، وانحدار السينما المصرية، بسبب الأموال الخليجية، وعلى الرغم من الكثير من الدراسات الاجتماعية والاقتصادية الرصينة التي أجريت بجامعات ومراكز الدراسات في البلاد العربية، التي شرّحت التحولات العميقة التي جرت في تلك الدول، والمتغيرات التي أحدثتها الأنظمة المتعاقبة عليها، والتي “قد” يكون لأفراد، أو أنظمة بعينها دور فيها، إلا أنه من الأسهل، وربما الأكثر إراحة وارتخاءً للضمير، أن يجري إلقاء اللائمة على عوامل خارجية، على شكل مؤامرات، أو إغراقات، وعدم تحميل المجتمع أو السلطات المختلفة داخلياً هذه الأعباء. ومادامت دولنا العربية، ومطاحننا الإعلامية على امتداد هذا الوطن العربي الكبير، تعتبر النقد من الخطوط الحمر التي تنتفخ لها الأوداج، سيخرج البعض أسوأ ما في سلاله من مخزونات على البلاد الأخرى.

والدول العربية في الخليج مرشحة أكثر من غيرها لهذا الرصد، وتسديد السهام، وذلك لشعور متنام، بعد تصدّع حلم الوحدة العربية، والجلطات المتتالية التي أصابت فكرة القومية العربية، زاد من هذا التفات دول عربية في الخليج إلى إنشاء محطات فضائية ومنصّات إعلامية هادرة، تعمل على إغراق الفضاء الإعلامي العربي بالخصوصية التي فاقت التعريف وسدّ الفجوة بين قلب الوطن العربي وأطرافه، إلى محاولة تحويل الطرف إلى قلب، والقلب إلى طرف وجناح، والنجاح في هذا المسعى في محطات متعددة، حيث لا يتمكن مثقفون عرب من إخفاء مرارة كون عواصم توقيت الأخبار والبرامج صارت تعاير بتوقيت عواصم خليجية بعينها، بينما يرون أن عواصمهم الأقدم، والأعرق، والأوغل في التاريخ و...الحضارة، مقابل حضارة مدينية مصطنعة وليست ثقافة نابعة من رحم الأرض... كما يرددون.

الحفر الخليجي الذي استمر أربعين عاماً أثّر وأثمر، ولكن الآثار الجانبية له ليست قليلة أو هيّنة، والخشية أن تتحول نغمة الانتقادات والتأفف إلى كراهية منفلتة لا يُعلم إلى أن يصل شررها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .