العدد 3369
الخميس 04 يناير 2018
banner
“الكورة” والقضايا المستورة
الخميس 04 يناير 2018

كنت أتمنى أن أكتب هذا المقال ومنتخبنا الوطني لكرة القدم على مشارف المباراة النهائية، ويلامس الكأس الغالية التي حلم بها منذ 48 عاماً، إلا أن الأحلام وحدها لا تطعم خبزاً، ولا تحقق أملاً، فالمنتخب الذي كان ثانياً في الدورة الأولى، ظل يتأخر ويتأخر حتى اكتفى بالمنافسة على المركز الرابع في عدد من الدورات، ثم صار يكافح لكي لا يكون الأخير في دورات أخرى، ويُعرف عنه أنه لا يحقق الكأس ولكنه متخصص في تغيير نتائج بعض المنتخبات، وغيرها من التعليقات، بعضها ساخر، وبعضها متألم، وبعضها حقيقي.

وعلى الرغم من كل ما تقدّم، ومن التاريخ الذي هو ليس بنيانا مرصوصاً إذ يمكن أن تعاد كتابته مجدداً، فإن القلوب تتقافز مع كل فوز يحققه المنتخب، والأحضان تكون أدفأ، والآمال تعلو، والابتسامات تغدو عريضة، وغيرها من الأحاسيس الصادقة، إلى حين، قبل أن يبدأ دوران العجلة في الاتجاه ذاته، وبالسرعة ذاتها للعودة إلى الواقع بكل تجلّياته.

البعض يرى أن الحالة الوطنية التي يخلقها فوز المنتخبات الرياضية من الأمور الأساسية للوحدة الوطنية، لأنّها تجعل الناس (أغلب الناس على الأقل) يفرحون فرحاً حقيقياً، يقفون إلى جانب بعضهم في المدرجات، يوحّدهم العلم، والشعار، وأبناء بلادهم في الميادين الرياضية، ويتمنون الفوز، وتحتقن حناجرهم لشدّة الصّياح في الملعب، وآهٍ لو انتهى هذا كلّه بالانتصار، وتحقيق اللقب، فسيكون كل ما تقدّم برداً وسلاماً، وسيهون أي تعب أو نصب في سبيل ارتفاع علم البلاد.

أعتقد أن الحالة التي يجري الحديث عنها هي حالة مهمّة، ولكنها مؤقتة، تشبه إلى حدٍّ كبير حالة النشوة التي يمر بها الجميع في مواقف معينة، والنشّوة علمياً تعرّف بأنها “حالة ذهنية وعاطفية مؤقتة تشعر الفرد بسعادة مؤقتة، تزول بعد حين”.

لستُ ممن يخاف زوال النشوة الرياضية، ولكنني لست مع أنها واحدة من مداميك الوحدة الوطنية، لأن الوحدة الوطنية، واللحمة الوطنية، وغيرها من المسميات والشعارات إن اعتمدت على الرياضة مثلا، ستكون تحت ضغط شديد، فالرياضة فوز وخسارة، فكيف سيكون وضعنا في حالة الخسارة، هل ستكون وحدتنا الوطنية رهناً لهذا النوع من السباقات؟!

نعم، للفوز مذاقٌ حلو، ولكن بعد زوال نشوة الفوز، هناك الكثير من العمل اليومي، واللحظي الذي علينا – كتشريعات ومؤسسات وأفراد – العمل عليه حتى يكون الانتصار الرياضي رافداً للأيام الرَّياضيّة التي يحياها الناس معاً، متآلفين بالعيش المشترك، ويفرحون معاً إن رفرف علم بلادهم عالياً في أيٍّ من المحافل الأخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية