العدد 3359
الإثنين 25 ديسمبر 2017
banner
لا تفرحوا بالصفعة... استعدوا للطعنة
الإثنين 25 ديسمبر 2017

لا أظن أنه حدث في التاريخ المعاصر، أو على الأقل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أن شهد العالم وقاحة علنية و”بلطجة”، كالتي قامت بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً في مسألة التصويت في الأمم المتحدة على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان البغيض، ولم نبلغ الصفاقة في الإدارات المتعاقبة، وعلى كل ما أبدته من تعنّت متفاوت، وإشاحة عن الحق الفلسطيني والعربي الذي لا يسدّه المنخل، إلا أنها لم تنحدر إلى القاع الذي انحدرت إليه هذه الإدارة تحديداً في التهديد الذي يشبه تهديدات الشوارع وجامعي الإتاوات في عصور الظلام، فمن سيصوت سيحرم من المساعدات... ومن صوّت أو امتنع (وهذا أضعف الإيمان لدى الإدارة الترامبية)، كوفئ بوليمة عشاء... يا للرخص!

ومع الفرحة التي وجدتها الدول العربية والإسلامية، فيما وصفته بـ “الصفعة” التي وجّهتها للقرار من جهة، ومن التخويف من تبعات التصويت من جهة أخرى، واصطفاف دول أخرى على الضفة الأخرى من القرار الأميركي، فإن إدارة أميركية كهذه من الصعب أن تنكفئ وتلعق جرح كبريائها بصمت، فالجرح الذي لا يقتل هو أخطر ما يمكن أن يصيب الحيوان المفترس، فيجعله مسعوراً وأكثر عدوانية، وفي عُرف إدارة يترأسها رجل أعمال، فإن الربح يُقدَّم على كل شيء، وفي ميزان “الغاية تبرر الوسيلة” لا أستبعد أن تبدر من هذه الإدارة ما يجعل الكفة تميل في المستقبل معها إن عملت بجد، ومن الممكن أيضاً أن يكون السكرتير العام للأمم المتحدة ضيف العشاء الرئاسي المقبل.

إن التلويح بالمساعدات الأميركية إن جرى تفعيله، سيكون له أثر كبير على الدول الصغيرة والضعيفة، فهناك دول لا يمكنها الاستغناء عن الدعم الأميركي، فالدول العربية، غنيّها وفقيرها يستلم مساعدات أميركية مباشرة وغير مباشرة، مالية وعينية يصل مجموعها إلى 11.8 مليار دولار، في مقابل عشرات ومئات المليارات التي تأخذها مباشرة وغير مباشرة، وغالباً لا يؤثر الدعم الأميركي إن غاب وإن حضر في غالبية الدول العربية، ولكنه مؤثر وأساسي لدول أخرى.

إنْ لم يُجدِ موضوع المعونات والمساعدات المالية والفنية يمكن الانتقال إلى الحرب بالحصار، وإقفال الأسواق، ومنع الخبراء، والتضييق في التأشيرات، وعشرات الطرق التي تجعل التنازل عن القضايا الجانبية والهامشية لدول لا دخل لها بقضايانا وقصصنا وبلائنا المستحكم.

دولة كبرى مثل الولايات المتحدة لا تريد أصوات دويلات لا وزن لها، ولا مواقف متذبذبة تلعلع في العلن ضدّها، وتزحف على بطنها في الممرات الخلفية بحثاً عن الحذاء الأميركي من أجل إمطاره بالقبلات، لأنها تؤمن أن الحقّ مع القوة، وأن بإمكانها إخضاع من تريد، إذا ما كان يريد الخضوع ومستعدّا له... أما المستعدّون للوقوف فاردين ظهورهم فعليهم تقبل الطعنات برؤوس مرفوعة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .