العدد 3355
الخميس 21 ديسمبر 2017
banner
لا أفكار جديدة وراء المتاريس
الخميس 21 ديسمبر 2017

يُعتبر موقع “رصيف 22” من المواقع العربية المغايرة والمهمة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، والتي أهدتها فسحة الإنترنت المجال للخروج عن قيود الناشرين، وشروط كثيرة أخرى تقبع تحت الإيقاع الكلاسيكي الذي ما عاد يجتذب الشباب، فنفرَ نفرٌ من ذوي الرؤى لتأسيس هذا الموقع الذي يأتي – أو من المفترض أن يأتي – من أرصفة 22 بلداً عربياً، ومثله مواقع عربية مغامرة ومغايرة ومغرية إلى حدّ الدّهشة تقدم طرحاً جديداً ولذيذاً.

ليس هذا موضوعنا، فلربما عدتُ للحديث عن هذه المواقع المهمة ذات يوم، ولكن ما لفتتني حقاً العقلية التي ظننت أننا في سبيلنا للتخفيف منها، والتعقّل بشأنها، وهي العقلية الحَدّية التي لا ترى في العالم إلا رأيها، وأن ليس في العالم سواها، وأنها محور الكون، وكل ما سواها عدم وعبث وعته.

فلقد طرح موقع “رصيف 22” موضوعاً بسيطاً واعتيادياً، وربما يُطرح في هذا الوقت من كل عام، وذلك بأن نقل الموقع عن أغنى أغنياء العالم وهو بيل غيتس جانباً غير المال والثراء والحواسيب والبرامج والمؤسسة الخيرية، إذ كان الموضوع بعنوان: “تريدون قراءة كتب مميزة العام القادم؟ هذه هي ترشيحات بيل غيتس لكم”، هو من المواضيع التي تطلّ على زاوية أخرى من زوايا الرجل، ولكن المتناقشين والمتداخلين من القراء شاءوا – كما يشاءون عادة – أن يمرروا هذه المقولة على مساطرهم الخاصة، ويزنوها بأوزانهم التي يعتقدون اليوم أنها خالدة لا تتغير ولا تتزحزح.

انطلق البعض في مناقشة ما جاء في الموضوع من الناحية الدينية، وهي ليست من الدين في شيء، كقول بعضهم: “يكفي أن أقرأ القرآن ففيه كل شيء”، و”قراءة القراءن تكفي»، و»من لم يقرأ الإحياء، فليس من الأحياء»، يقصد «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي، و»لو قرأنا كتاب الله وتدبرنا وفهمنا خير لنا»، فريق آخر استلم الرسالة من الناحية الأخرى فيرجع في القول: «هل رأيتم مفكرا عربيا يدلّك على أفضل الكتب التي قرأها؟ شكرًا سيد غيتس»، و»هم أفضل منا في كل شيء، تخيّل هذه الثروة التي يملكها بيل غيتس عند عربي لن يهتم إلا بأن يعرض ثروته على الآخرين ويضيع وقته في تفاهات وملذات زائلة هم يستثمرون وقتهم بالعمل والقراءة».

مساحة التعليقات عريضة بين فرقاء مختلفين، والاختلاف طبيعة الحياة ومن سننها، ولكن لم أقرأ تعليقاً عن ماهيّة الكتب التي نصح غيتس بقراءتها، ولا من قائل إنه اطّلع على بعضها أو سمع عنها، ولم أجد نقدا لها، ولم يعدنا أحد المتداخلين بأنه سيقرأ ويلخّص أحد هذه الكتب لتعمّ الفائدة، ولا أحد تعهّد بترجمة فصل منها، ولا أحد سأل عن دور النشر، ولا أين يجدها، فقد راح كل فريق يفرش بساطه الخاص ليغطّي الموضوع برؤيته هو بعيداً عن أصل الموضوع.

واحدة من مشاكلنا أننا نأتي إلى أي موضوع مدججين بترسانة من الدروع الاسمنتية التي تعمل أولاً على صدّ أية فكرة جديدة، وأية فكرة معرّضة للموت كخيار أوّل إذ لا تستطيع أن تناطح برأسٍ عارٍ هذه الركائز الثابتة لتحدث فيها تغييراً.

بين الفرق المتمسّكة بآراء مسبقة، هناك مياه تجري بمن طفح بهم الكيل من هذه الشعارات والشعارات المضادة، وراحوا يشقون طرق التغيّر والتغيير، ولكن إلى أين؟ لا أحد يدري.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .