العدد 3352
الإثنين 18 ديسمبر 2017
banner
البحث عن التعايش
الإثنين 18 ديسمبر 2017

يُعدُّ مصطلح “التعايش” من المصطلحات التي راجت في السنوات الأخيرة، إذ لكل زمان دولة ورجال ومصطلحات ترُوج وتسود وتأخذ حيّزها من الاهتمام، وهذا الاهتمام يأتي بشكل عالمي، فيسيطر على الأجواء، وتبدأ الدول والمجتمعات والمؤسسات ترتّب أوضاعها تبعاً لهذه المستجدات. فإذا ما تذكّرنا “حقوق الإنسان”، أو “حقوق الأقليات”، أو الكثير من المصطلحات الأخرى، وجدنا نتائجها ماثلة للعيان، وفي التالي من الأوقات تبقى هذه المصطلحات بلمعان أقل، إذ اختطف الأبصار بريق مصطلحات جديدة، بل جرى تخويف الدول الضعيفة الخائفة من حقوق أريد بها باطل.

التعايش يحتاج إلى فئات مختلفة، حتى يتم تجريب قدرتنا على التعايش، وتدريب أعصابنا على ألا تنفلت عندما يعبّر المختلفون عنا عن أفكارهم وثقافاتهم وإيمانياتهم، فمن المستحيل أن تتطابق المكونات الاجتماعية وإن بدت كذلك خارجياً، فليلتفت إلى أنفسهم من يدّعون أنهم متسامحون متعايشون ليروا إلى أيّ حدّ يمكنهم إبداء القبول بالآخر، والقدرة على التعايش معه.

التعايش يحتاج إلى بيئة مشتركة وهذا يعني التجاور المكاني في المنطقة ذاتها، أو الوطن ذاته، وهذا يعني أن تكون جميع الفئات المختلفة لها القدرة ذاتها على التمتع بشكل عادل ومتساوٍ في البيئة المشتركة التي تعيش فيها جميع المكوّنات الأخرى، وهذا يعني قبول جميع المكونات مجاورة المختلفين عنهم، وألا يُمنع أحد من التملك أينما شاء، كما لا يجب أن تنسحب فئة لتؤسس لنفسها مناطق مغلقة، وبؤر تجمّع، فكلّ إقصاء أو انكفاء يتسبب في نقض التعايش من أساسه.

سياسياً، لا يضيق بـ “التنوّع”، إلا الشموليون الذين لا يودّون سماع أصوات أخرى، ولا يطيقون آراء مختلفة، ولا يسمحون بالنقاشات والاختلافات، والتجارب العالمية تقول إنه ما إن يفكّ اللجام، حتى تنطلق الهوّيات والاختلافات بشكل مسعور أحياناً في سباقات تسعى للاستحواذ على مساحات أوسع من النفوذ بشتى أنواعه، حتى إذا جاء وقت التمازج يبقى المكوِّن طاغياً على اللون والطعم والرائحة، وإذا جاء وقت التنازل يكون الباقي غير المتنازل عنه كثيرا، وهكذا.

كلنا في ساعات الرخاء نرفع أجمل الشعارات وأكثرها بريقاً وإنسانية، ولكن هذه الساعات لا يقاس عليها، فكل شعار لم يختبر في ساعات العُسرة لا يعوّل عليه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية