+A
A-

هل تؤثر ضريبة القيمة المضافة على إنفاق الخليجيين؟

 

ثلاثة أشهر تفصلنا عن بدء تطبيق ضريبة على القيمة المضافة في عدد من دول الخليج العربية، وسط تساؤلات حول مدى تأثير القطاعات التي ستشملها الضريبة على مجمل السلة الاستهلاكية للفرد وحجم إنفاقه.

صحيحٌ أن ضريبة القيمة المضافة التي سيتم تطبيقها بموجب اتفاق دول الخليج، تعتبر الأقل في العالم (5%) مقارنة بالمعدل الوسطي عالميا عند (12%) مع إمكان استرداد ضريبة القيمة المضافة المدفوعة في القطاعات التي تطبق عليها ضريبة صفرية، غير أنه من المؤكد أن بدء العمل بالضريبة سيحدث عدداً من التأثيرات من أبرزها تغير النمط الاستهلاكي والشرائي للخليجيين والوافدين على حد سواء.

الضريبة والقدرة الشرائية للسعوديين

وتظهر الأرقام الرسمية أن معدل الدخل المتوسط للسعوديين في القطاعين العام والخاص هو عند 9894 ريال سعودي، في حين يبلغ المعدل المتوسط لغير السعوديين 3600 ريال سعودي.

وهنا يبرز سيناريوهان مختلفان من حيث حجم التأثير على القدرة الشرائية للأجور ومعدلات الادخار نظراً لعدم وضوح اللائحة التنفيذية لتطبيق الضريبة المضافة.

في المبدأ وبحسب الهيئة العامة للإحصاء فإن الإنفاق على 3 أقسام: الأغذية والمشروبات (%21.7)، والسكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى (20.5 %)، والسلع والخدمات المتنوعة (6.8%) يشكل 49% من الوزن الإجمالي لتكلفة المعيشة أيّ ما يشكل نصف الإنفاق العام للفرد في المملكة العربية السعودية.

وبما أن جميع السلع الغذائية ستخضع للضريبة المضافة دون استثناء فإن أسعار المواد الغذائية حتماً سترتفع بشكل طفيف، وقد شهدنا بالفعل ارتفاع معدل التضخم لقسم التبغ بنسبة 99% على أساس سنوي نتيجة لفرض الضريبة الانتقائية. ولكون إيجارات ومبيعات العقار "السكني" غير مشمولة بضريبة القيمة المضافة، لذا تبقى الإشكالية في ما إذا كانت الضريبة ستشمل المياه والكهرباء على غرار الإمارات لعدم وضوح هذا البند في اللائحة التنفيذية. لذا ووفقا لآلية التطبيق التي ستتبع لاحقاً سيظهر حجم الأثر على مصاريف الفرد إمّا ارتفاعاً بشكل ملحوظ، أو بشكل محدود في حال إعفاء خدمات الكهرباء والمياه من الضريبة.

أمّا الإنفاق على النقل ورغم أنه يشكل 10.4% من المؤشر العام لتكلفة المعيشة إلا أن هذا القطاع ستطبق عليه الضريبة الصفرية.

ورغم أن الحكومة ستتجه إلى تحرير أسعار الطاقة تدريجيا لتصل إلى السعر العالمي، غير أن برنامج حساب المواطن وبدء الصرف للمستحقين سيشكل دعماً حكومياً للأسر السعودية والفئات الأساسية التي تتوافق والشروط المطلوبة، الأمر الذي لا ينطبق على الوافدين الأجانب.

من هنا، نستطيع القول إن توجه المملكة لفرض ضرائب ورسوم تمهيدا لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الميزانية بحلول 2020، لن يطال المواطنين السعوديين بشكل مباشر انطلاقاً من المزايا والدعم الحكومي، بل إن التأثير الأكبر سيلحق بالعمال الوافدين البالغ عددهم (11,119 مليون وافد) يعملون بالقطاع الخاص.

لاسيما بعدما بدأت الإجراءات الحكومية الجديدة اعتبارا من أول يوليو الماضي، تحصيل رسوم مالية عن المرافقين للعاملين الوافدين في القطاع الخاص بالمملكة، لذا فإن بدء تطبيق الضريبة على القيمة المضافة في أول يناير 2018 سيضع حتماً علامات استفهام حول مستقبل العمالة الوافدة في السعودية.

 

البحرين والكويت وعُمان

ورغم إعلان السعودية والإمارات استعدادهما لتطبيق ضريبة القيمة المضافة في اليوم الأول من 2018، فإن هذا الأمر لا ينطبق على البحرين والكويت وسلطنة عُمان، كونها لم تصدر حتى الآن أي لوائح تنفيذية لتطبيق الضريبة، بالتالي فهي حتماً لن تلحق بركب الإمارات والسعودية قبل منتصف العام المقبل أو نهايته.

لذا وبغياب اللوائح التنفيذية التي توضح ما إذا كانت السلع الأساسية مثل التعلم والصحة والأغذية مشمولة بالضريبة أو معفاة، بالتالي من غير المعروف تماماً أثرها على الأسعار ومعدلات التضخم كما على القدرة الشرائية للأجور في تلك الدول.

 

ماذا عن الإمارات؟

على غرار السعودية، تعتزم الإمارات تطبيق ضريبة القيمة المضافة في أول يناير، مع فارق هو أن متوسط إنفاق الأسرة الإماراتية، والتي تشمل الإيجارات المقدرة للمساكن المملوكة إضافة الى التحويلات، هو 35,930 درهما شهريا في حين أن متوسط الإنفاق الشهري للفرد الإماراتي بلغ 5,419 درهما. في المقابل، يبلغ متوسط دخل الفرد الإماراتي 10 آلاف و900 درهم شهريا.

بينما بلغ المتوسط الشهري لإنفاق الأسرة غير الإماراتية 16,910 درهم شهريا، ومتوسط الإنفاق الشهري للفرد غير الإماراتي بلغ 4,747 درهم، بحسب أرقام مركز دبي للإحصاء لمسح إنفاق ودخل الأسرة في الإمارة.

"من الطبيعي أن ينعكس تطبيق ضريبة القيمة المُضافة على حجم الإنفاق الاستهلاكي وعادات المستهلكين الشرائية"، يقول المستشار المالي والمصرفي فضل البوعينين لـ"العربية.نت". إن تطبيق الضريبة بنسبة 5% العام القادم يعني نظريا ارتفاع طفيف في الأسعار بنفس النسبة ما قد يؤثر سلبا على الطلب وبالتالي حجم المبيعات. غير أن تدني نسبة الضريبة مقارنة بالمطبق عالميا يجعل من الممكن لقطاع التجزئة استيعابها بسهولة عن طريق خصم هامش الربحية وبما يضمن استقرار الأسعار واستدامة الطلب.

كما أن تدني نسبة الضريبة قد لا يجعلها ظاهرة في كثير من السلع الرخيصة ولكنها ستكون مؤثرة بالنسبة للسلع مرتفعة السعر ما يجعل علاقة التأثير مختلفة باختلاف سعر المنتج بحيث يقل الطلب على السلع مرتفعة السعر وتمضي السلع الرخيصة في مستوياتها الحاليّة.

 

التضخم في السعودية.. إلى المعدلات الإيجابية؟

يستمر التضخم في السعودية في النطاق السلبي في يوليو، وهو الشهر الثامن على التوالي الذي يسجل فيه التضخم انكماشا. ويعزى ذلك الى استمرار الانخفاض في قسم الأغذية والمشروبات في مكون مؤشر التضخم، مقرونا بالانخفاض في أقسام النقل والملابس والأحذية.

ورغم الارتفاع في قيمة عمليات نقاط البيع، بنسبة (%12.8) في يوليو على أساس سنوي، بسبب ارتفاع إنفاق المستهلكين مع إعادة مزايا وبدلات ومكافآت العاملين بالقطاع العام. غير أن التضخم قد انخفض بسبب أسعار السلع العالمية الضعيفة وانخفاض الطلب الإجمالي إثر تراجع أعداد الوافدين مع بدء تطبيق الرسوم على المرافقين للعمالة، فضلاً عن توجه الشركات إلى ترشيد الإنفاق ضمن سياسة خفض التكاليف الإجمالية ما أدى إلى تراجع الأسعار، بحسب "الراجحي" كابيتال.

غير أنه من المتوقع بحسب التحليلات أن يتحول التضخم إلى المعدلات الإيجابية في الربع الثالث لعدة عوامل أبرزها تطبيق للضرائب الانتقائية في يونيو الماضي، والتوجه لفرض ضريبة القيمة المضافة مطلع العام المقبل.

ولكن للخبير الاقتصادي د.إحسان بو حليقة رأي مختلف، إذ اعتبر في حديث خاص مع "العربية.نت"، أن التجار قد لا يتجهون إلى رفع الأسعار نتيجة استقرار معدلات الطلب في السعودية وعدم نموها منذ فترة طويلة، بالتالي سيتحمل التاجر الزيادة في الأسعار من دون تمريرها إلى المستهلك، وإن كان ذلك على حساب أرباحه، لتحفيز معدلات الطلب.

ويرى بوحليقة أنه من المبكر حاليا الحديث عن انعكاسات الضريبة على القدرة الشرائية قبل معرفة آلية التطبيق فعليا، واصفاً التأثير بـ"المحدود" لكون النسبة لا تتجاوز 5%.