العدد 3264
الخميس 21 سبتمبر 2017
banner
دحرجة الوقت
الخميس 21 سبتمبر 2017

نهتم كثيراً بالوقت، في الوقت الذي لا نتوانى عن هدره و”تضييعه” كما نقول، وفي السنوات الأخيرة بتنا نضع لأنفسنا علامات على طريق الوقت، كالمناسبات والأعياد التي صارت تزاحمنا، وتكلفنا كثيراً أيضاً، وعلينا أن نتذكر فيها الحوادث، وننفق فيها أكثر، حتى لانت الأقاويل التي تدور رحاها بقوة وجعجعة من غير طحين عن “حرمة” الاحتفال ببعض المناسبات غير الإسلامية، وأخذ الكثير من الناس ينهلون من التهاني والتبريكات والقبلات بمناسبات مثل “رأس السنة الهجرية”.

في الواقع، إن الجهد الأكبر الذي تبذله الكثير من المؤسسات الرسمية في الكثير من البلاد العربية - ليست مبالغة إن قلنا “كل الدول العربية” - اللعب (نعم اللعب) على “دحرجة الوقت”، تمطيطه، جعله يمضي ويمضي من دون تحقيق الأهم على الأصعدة التي نُذرت لأجلها هذه الجهات، كل العمل الذي تقوم به المؤسسات الرسمية هو من أجل هدف واحد: خدمة الشخص/الفرد القابع أعلى الهرم الإداري في هذه المؤسسة أو تلك، ولا علاقة جوهرية للإنتاج الحقيقي لهذه المؤسسة أو الدائرة، أو المصلحة، بأهداف تنموية تتجمع في برغي صغير، مربوط بإحكام في مكانه الصحيح تماماً في الآلة العملاقة التي تسمّى وطناً.

يحدّثني أحد الأصدقاء عن قصة، وهي واحدة من جملة قصص كثيرة سمعناها، أن مجموعة مؤسسات رسمية مترابطة طُلب منها القيام بإجراءات لخفض النفقات، أو في قول آخر “ترشيد الإنفاق”، وتمت تسمية المسؤولين من الجهات ذات العلاقة، وجرى الاجتماع الأول وتم فيه شرح القضية، وجرى عصفٌ ذهني، نتج عنه عصفٌ مأكول (ضيافة)، ورُفع الاجتماع إلى حين الاجتماع الثاني بعد أسبوعين لتحديد المشكلة واقتراح بعض الطرق، تلاه الاجتماع الثالث بعد أسبوعين آخرين لوضع الآليات، فإذا بالمزاج العام يتغيّر ويتجه صوب أسعار المحروقات، وربما الدقيق، وربما التقاعد، أو شؤون داخلية أو خارجية أخرى، وما أكثرها، فإذا بالقضية الأولى قد تباطأت اجتماعاتها، واضمحلّت، وانسحبت إلى الظلال قبل أن يبتلعها الثقب الأسود، وكأنها لم تكن ذات يوم، إذ جرى تشكيل لجنة أخرى، وصاحبي فيها أيضاً، مع بعض الوجوه من اللجنة تلك، وبدأ دولاب الاجتماعات بالصيغة نفسها، والآلية ذاتها، وتصل، أو لا تصل، إلى نتيجة عينها، في انتظار عنوان آخر يشغل الرأي العام، ولا أحد يسأل عن اللجان التي تسلسلت من لجان، ويلهو الجميع في الجديد، ولو سأل أحدهم عن ما آلت إليه واحدة من تلك اللجان التي ظهرت صور اجتماعاتها الأولى، وإلى أين وصلت؟ لاشك أنه سيتلقى لطمة على فمه لئلا يعيد القول مرّة أخرى.

كان القول في السابق إن علوم الإدارة مفتقدة، فلما توفرت بالتعليم قيل إن الاحترافية هي ما ينقص المسؤولين، فلما توفرت ولم تكن هناك نتيجة، قيل إن المراقبة غير دقيقة، فجرى توفير الرقابة والنتيجة لم تتحسن فقيل إنها المحاسبة، فابتدعت المحاسبة، وهذه أيضاً من سلسلة عمليات دحرجة الوقت، وهذا ليس كل شيء، ولكنها حدود المساحة لئلا يتدحرج المقال على مساحات الزملاء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية