العدد 3261
الإثنين 18 سبتمبر 2017
banner
انسداد
الإثنين 18 سبتمبر 2017

عندما لفتت حادثة انتحار الشاب المصري شريف قمر، الأنظار مصرياً وعربياً إلى حدٍّ ما؛ انفتحت السجلات التي تحمل هذا الكابوس الذي تعاني منه دول عربية كثيرة، ومنها دول مجلس التعاون أيضاً، وفي أرقام متناقضة بين من مِن الدول العربية التي تتصدر المشهد الانتحاري الذي يضع فيه الشخص نهاية اختيارية لحياته، هل هي الدول العربية الفقيرة أم الغنية، والأرقام هنا متناقضة لأننا، وكالعادة، نعاني نقصاً حاداً في الإحصاءات والأرقام الدقيقة، والكثير من الأنظمة، تحاول عبر وحداتها الأصغر “الدوائر والوزارات” القول: “كل شيء تمام”، والتعمية على الأمراض الاجتماعية والأخطار التي تحوم، حتى تقع الكوارث.

كل الأرقام التي يمكن تتبعها، عاماً بعد عام، وعلى الرغم من إقرار أكثرها بأنها ليست بالدقة الكافية؛ إلا أنها تشير بشكل صارخ إلى ارتفاع هذه المسألة (الانتحار) حتى تكاد تقترب من الظاهرة، حتى صُنفت في بعض الدول العربية بأنها من الأسباب البارزة والمتقدمة للموت، وهو السبب الثاني عربياً لوفاة من هم بين 15 و29 عاماً. والأسباب المؤديّة إلى هذا الفعل كثيرة ومتنوعة على مستوى العالم، ولكنها في كل منطقة لها ملامحها الخاصة، لذلك هناك ملامح يمكن الخروج بها لحالات الانتحار عربياً.

فماذا يعني أن يفشل 10 آلاف جزائري في الانتحار في 2016، بينما ينجح 1100 في العام 2016 والأسباب معظمها في الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية حيث يعاني 53 % من الشباب من التعطل عن العمل؟ وماذا يعني أن تتصدر الأزمات المالية والبطالة دوافع حوادث الانتحار في مصر العام الماضي؟ وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تحظى بـ 75 % من حالات الانتحار، بسبب الدخول القليلة والخدمات الرديئة، كذلك الدول التي لديها اضطرابات سياسية كثيرة وتقلبات اقتصادية تكون أكثر عرضة للانتحار من غيرها. ما معنى أن حالات الانتحار في الدول العربية تصل إلى 2000 حالة سنوياً في مقابل 3 آلاف أوروبياً، والأسباب بين الطرفين مختلفة إلى حد بعيد؟

الأرقام غير السعيدة في هذا الجانب تشير إلى الفشل الذريع الذي صممته، وصممت عليه الأنظمة العربية في إفقار مجتمعاتها لانتفاعات مؤقتة ومحدودة لبعض من أبناء هذه المجتمعات والأنظمة، ومحاولة قولبة العقول العربية و”ببغوتها” وكأن الزمن لم يتحرّك ويتغيّر بين الوقت الذي تُعْلم فيه الحكومات الجماهير بما يجب عليهم أن يعلموه، وبين الوقت الراهن الذي صار فيه الجميع على قدم المساواة في المعرفة العامة بما يدور في العالم، ومهما أدى خوف المعرفة بالبعض لأن يلاحقوا المواقع التي لا يتفقون معها، أو التي يخشون أن تسمم أفكار الناس؛ فالناس لديهم طرائقهم، إن أرادوا، للوصول إلى هذه المواقع واستكمال الصورة من كل أطرافها، هذا الفشل الذي يذهب فيه البعض بصمت مطبق، ويثير البعض تساؤلات برحيله المؤلم، وهناك من كان سبب رحيله شرارة للتغيير، ولكن، للأسف الشديد، فإن هذا “التغيير” لم ينجم عنه إلا المزيد من عمليات الانتحار، إذ أجرى المتغيّرون “عمليات تقبيح وتشويه” وعادوا من جديد إلى السلطات بشراسة أشدّ، وشراهة أعلى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية