العدد 3247
الإثنين 04 سبتمبر 2017
banner
ساحات الجهل والتجهيل المجاني لمصلحة من؟
الإثنين 04 سبتمبر 2017

استثارني موضوع قديم متجدد نشر في الزميلة “أخبار الخليج” عن مسألة الوصفات الصحية التي تنتشر عبر الإنترنت بجميع التطبيقات التي على وجه الأرض، وهي ما يسبب إشكالات صحية غير محمودة ربما على الذين يتعاطونها، خصوصاً وأن غالبيتها تنتهي بأن مكونات الوصفة طبيعية فإنها إن لم تنفع فلن تضر.

ولأنني لست من المهووسين بهذه الرسائل المكتوبة والمصوّرة، والتي تبدأ بأن الوسيلة مجرّبة، وتغليظ القسم بالله العلي العظيم أن مصوّر المقطع جربها بنفسه، وعلى زوجة والده، وعلى جاره بالجنب، وتكللت التجارب بالنجاح الباهر؛ ومع ذلك أستطيع تذكر أربع وصفات على الأقل لعلاج السكر، وواحدة للصدفية، وعلى الأقل وصفتين مؤكدتين لعلاج الفشل الكلوي، ووصفات لا تعد ولا تحصى للسرطانات بأنواعها، ناهيك عن التراخوما، والأسقربوط، والضعف الجنسي، والعقم، والارتجاع المريئي وغيرها وغيرها من الوصفات التي تعتمد على الأمور البسيطة جداً من المكونات المتاحة.

الغريب في هذا التداول الواسع للوصفات غير الطبية هو الانتشار الواسع الذي كان في الماضي القريب يتم عن طريق البريد الإلكتروني والمجموعات التي كانت في ذلك الوقت، وهي أسرع بطبيعة الحال مما سبقها من وسائل، وما لبثت أن أصبحت تسابق الرياح في الإعلام الاجتماعي بأشكاله المختلفة.

والأغرب من ذلك أن يتورط في هذا النشر أناسٌ من ذوي العلم الرفيع، والتفكير السويّ، وذلك تحت العبارة “السوشلية” المعروفة “إذا كنت لا تحتاجه فغيرك يحتاجه”، والمسبوقة – كما قلنا – بأن ما لم ينفع فإنه لن يضر، فيعتصر قلب المرء ألماً على غيره، وبحسن النية، يقوم بنشر الوصفات غير السحرية على أوسع نطاق، مما يكسبها صدقية عالية بأنها لم تأتِ من شخص اعتيادي، ولكنها من بعضٍ من صفوة القوم.

والأغرب من كل ما تقدم، أن المنتجين لهذه الوصفات لا يدخل في جيوبهم لا درهم ولا دينار، وأكثرهم أيضاً لا تظهر وجوههم، لا أسماؤهم، ولا أرقام اتصالاتهم، فيبدو صحيحاً أن الأمر لا يعدو عمل خير لوجه الله تعالى، ما دام لا أموال من ورائه ولا شهرة، وفي الغالب لا يروّجون منتجاً، ولا يشيرون إلى عيادة أو طبيباً إلا في ما ندر.

لا شك أن اليأس والتعب من تناول الأدوية الكيماوية التركيب، وطول المدة في الأمراض المزمنة، وعدم تقدم العلاج والحالة الصحية؛ قد يدفع البعض لأن يتعلق بقشّة في بحر الحياة القاسي والهائج والمتلاطمة أمواجه بغية الخلاص مما هم فيه... لكن الشك في عدم فاعلية قيام الأطباء، على كثرتهم، بحملات مؤثرة وقوية وفاعلة لنفي الأوهام، ومحاربة الجهل والتجهيل، وكأن الأمر لا يعنيهم، مع أن ظهورهم بشخوصهم، وتبسيط الأمر للعامة، وتنقية الحقيقة من الأوهام، سيكون بعضاً من أهم واجباتهم، وزكاة علمهم، وعلى الطريق... ترويج لأنفسهم، ومع ذلك فالكثرة الكثيرة من الأطباء في شغل شاغل عن هذا البلاء العظيم، وكأنهم يترفّعون عن الدفاع عن طينة الوعي لدى المجتمع... صمتهم يُخلي الساحة لسيادة الشعوذة ولو بنوايا طيبة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية