العدد 3219
الإثنين 07 أغسطس 2017
banner
الولاء الواعي
الإثنين 07 أغسطس 2017

لغوياً يرتبط الولاء غالباً بالإخلاص والوفاء والطاعة والانتماء، وللعجب فإن الولاء الذي فاض في وقت مبكر من القرن الماضي في الدول العربية إلى الأمة بكل أقطارها وأراضيها، عاد لينحصر داخل الحدود السياسية، على اعتبار تركيزه أولاً في القطر، ومن ثم يخرج خارجه، وفي الدول نفسها، عملت أنظمة متعددة على قصر الولاء لها هي، وصارت الأنظمة واحدة من المكونات الولائية المتعددة، ولمّا فشلت هذه الأنظمة في استعمال الولاء لخلق الدولة الوطنية، انصرفت الولاءات (كما في الثلاثين عاما الأخيرة على الأٌقل)، إلى الولاءات الأضيق من جهة، فصارت الولاءات تتبع الأعراق، والقبائل، والمذاهب، وتتسع من ناحية أخرى لتخرج خارج الحدود في نهم لا يخفى للاستقواء بالكثرة والامتدادات، فمن لقبيلته امتدادات راح يواليها وإن كانت متوزعة في دول أخرى، وأصحاب المذاهب ذهب ولاؤهم الديني وراء المذهب أينما حلّ، وحيثما تمركز.

ولأن الأديان والمذاهب اليوم ما عادت خالصة للدين، بل توغّلت كثيراً في السياسة، صار الولاء السياسي تبعاً للولاء المذهبي، وهكذا تفكك الولاء الوطني نظراً لعجز الأنظمة عن بناء مشاريعها الوطنية المتكاملة والمكمّلة لبعضها البعض، ولاء يقوم على حفظ الحقوق وصونها، في مقابل واجبات تؤدى، وكرامة محفوظة، وأمن للجميع، وعدالة تتجذر في الأرض، وشفافية عالية يعرف فيها الناس إلى أين هم ذاهبون، ويشاركون في توجيه الدّفة، ويتناصحون.

جورج أورويل الذي كان يعادي الفاشية والحكم الاستبدادي كتب يقول: “الولاء يعني انعدام التفكير، بل انعدام الحاجة للتفكير، الولاء هو عدم الوعي”، وهذا في سياق تحذيره من الانسحاق لإرادات الآخرين، ولما يروّجونه، ولما تريد الأنظمة أن تنوّم به شعوبها تنويماً مغناطيسياً لتفعل بها، أو بمعزل عنها، ما تشاء، لذا يبدو هذا القول متطرفاً نوعاً ما، فيما لو كانت الأوطان تدار بالشكل الذي يعيد ربط حبال الولاءات الضيّقة داخلياً، ويقطع حبال الولاءات الممتدة خارجياً، حينها سيكون الوعي ولاءً كاملاً ونابضاً أبداً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .