العدد 3213
الثلاثاء 01 أغسطس 2017
banner
فرض رسوم على النوايا!
الثلاثاء 01 أغسطس 2017

تسلم مجلس النواب في الأشهر الأخيرة مشروع “الضمان الصحي”، الذي أعده المجلس الأعلى للصحة بالتعاون مع البنك الدولي، ويتوقع أن يغير خريطة تقديم الخدمات الصحية في البحرين على نحو غير مسبوق، إذا ما أُقر.

النقطة الأبرز، بتقديري، تتمثل في أن المشروع سيحول الدولة بجهاتها الرسمية من مقدم خدمات صحية مجانية للمواطنين، إلى دور الإشراف العام على القطاع الصحي والاكتفاء بسداد مبلغ مالي عن كل بحريني (525 دينارا مبدئياً) نظير توفير هذا الخدمات لنا في المستشفيات الحكومية والخاصة.

المقلق في الأمر أن المجلس الأعلى للصحة اعتمد على البنك الدولي لهندسة هذا المشروع الحيوي الذي يمس كل شخص منا، منذ تكوينه جنيناً ولغاية آخر رمق في حياته.

ولا يخفى على المتابعين، الدور المؤسف الذي لعبته هذه المؤسسة المالية الدولية تحديداً في الضغط على العديد من الحكومات لاتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية أضرت بشعوبها على نحو مباشر.

وهاجسنا الآن وقبل إقرار القانون، أن يكون هذا التحول مجرد خطوة نحو مزيد من التخفيض للمسؤوليات الملقاة على عاتق أجهزة الدولة مستقبلاً مع تزايد مطرد للأعباء والمسؤوليات المالية.

بقراءة نصوص القانون “قيد الدراسة”، سيظهر لنا أن أول حفرة سيقع فيها المواطن البحريني، هو فرض رسوم عليه أثناء طلبه الرعاية الصحية والعلاج.

والغريب أن مواد القانون قد عرّفت “الرسم” على أنه “مبلغ يلتزم المستفيد بأدائه إلى مقدم الخدمة الصحية نظير استفادته، لضمان جديته في الحصول على المنافع الصحية”.

والأغرب أن الرسوم في النص جاءت بمثابة حكم على النوايا، وافتراض سوء النية لدى بعض المراجعين، في ظل صعوبة إثبات بعض الأمراض كمشاكل المعدة والاكتئاب.   

وأتساءل هنا: ما المطلوب من مريض يتلوّى ألماً ليثبت جديته في طلب استشارة طبية؟ أليس التشخيص وإثبات المرض مسؤولية الطبيب المعالج؟ ما هي الأدوية التي تصرف دون تحليل/أشعة/فحص يؤكد وجود المرض أولا؟ هل مجموع استهلاك هذه الأدوية يبرر المخاوف من الهدر، ويتطلب فرض رسوم على الموسر والمعسر؟   

والأسوأ في جزئية الرسوم، أن القوانين لا تحددها، فتترك لقرارات تصدر لاحقاً عن المسؤولين/المعنيين، ويحددون هم إذا ما كان رسم الدخول على الطبيب مثلا ديناراً واحداً أو اثنين أو 10 دنانير!

الجانب المضيء في مشروع الضمان الصحي، أنه حُوِّل إلى مجلس النواب بصيغة “مشروع بقانون”، وهي صفة دستورية قانونية تضع ممثلي الشعب في موقع متقدم، وتمنح لهم الفرصة لعرقلته أو الضغط لتعديل مواده.

وهنا، أطالب لجنة الخدمات في مجلس النواب، كجهة معنية بدراسة المشروع، بعدم الاستعجال في تمرير القانون واستشارة الخبراء والفاعلين في جمعيات المجتمع المدني، وأخذ رأيهم على محمل الجد.

ختاماً، أطالب لجنة الخدمات البرلمانية أيضاً بتحويل مشروع الضمان الصحي كاملاً لجميع الصحف ووسائل الإعلام، وذلك ليحظى بمناقشة عامة وحوار اجتماعي لجميع بنوده، فلا يمكن القبول بأن تنحصر مناقشة مشروع بهذا الحجم من الأهمية، على حوار في غرف مغلقة بين جهتين أو ثلاث جهات فقط.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية