+A
A-

الحياة جميلة... ولكن!

المشكلة:

أنا فتاة في بداية العشرينات، مطلقة منذ سنة، ولكن هذه المسألة لم تكن تهمني في السابق كما تهمني الآن. كنت دائمة الخروج مع الصديقات للتسوق والذهاب إلى السينما وغير ذلك، وكنت سعيدة ولم أتأثر بسبب كوني مطلقة. أما الآن فبدأت ألاحظ من إخوتي بعض التذمر والتعليق على كيفية لباسي ووضع المكياج وتسريحة شعري، حتى أنهم في بعض الأحيان يمنعونني من الخروج ودائما ما يرددون عبارة “لا نريد أن يتكلم الناس عن أختنا بالسوء ونريد الحفاظ على سمعتنا بين الناس”.

بدأت أتضايق ولا أعرف ماذا أفعل، وبعض الأحيان يضربني أخي الأكبر؛ لمنعي من الخروج! ما ذنبي أن أكون مطلقة، هل ارتكبت إثما كبيرا؟ لماذا كلمة مطلقة كأنها عار يلاحقني أو ذنب كبير  فعلته؟ كما أتمنى أن أموت فقد سئمت الحياة، ودائما أرى أمي تبكي من أجلي، وعندما تحاول أن تدافع عني يقول لها أخي الأكبر “لا تتدخلي فيما أفعله، هل تريدين أن تسلك ابنتك طريق الخطيئة؟”. لماذا يرتبط الطلاق بدرب الخطيئة؟ وما ذنب الفتاة العاثر حظها؟! بدأت أنزوي على نفسي وبدأت أدمن التدخين، وحاولت أن أنتحر مرة ولكني لم أستطع. أصبحت وحيدة يقتلني الفراغ والوحدة فلم أعد أستطيع أن أتكلم مع أحد. إنهم يعذبونني ولا يشعرون بي، كم أتمنى أن يموتوا وأتخلص من قبضتهم إلى الأبد، حتى أنني فكرت في الهروب من المنزل، ولكن أين سأذهب؟ مات والدي ونحن صغار ولم أعرف سوى أمي وإخوتي في هذه الدنيا، تقطع بي كل رجاء، لم أعد أضحك، ولا أعرف سوى الحزن والبكاء، وأصبحت كالآلة، من العمل إلى البيت ومن البيت إلى العمل، أرجو أن تساعدني وتريني أي طريق أسلك.

هلا ع.غ.

 

د.  خالد إسماعيل العلوي

الحل:

سيدتي الفاضلة “هلا ع.غ.”.. أولا تقبلي تحياتي المليئة بالأمل والتفاؤل، ثانيا أشكرك على رسالتك الصريحة، مقدرا ما تعانين منه بالتعبير عن تلك المشكلة التي يبدو أنها قلبت موازين حياتك.

التعبير عما بداخلك ما هو إلا نصف العلاج، أما النصف الآخر فهو التأني في البحث عن البدائل والحلول المناسبة، ولنحاول معا أن نبحث عنها بين ثنايا هذه الأحزان والهموم علها تكون قريبة من مرمى البصر، إلا أن الضباب المهيمن حولها أعدم هذه الرؤية وجعل من مرتادي الطرق يغيرون اتجاه السير نحو مسار يشوبه الكثير من العشوائية والتخبط في طرق وعرة مليئة بالأشواك والمطبات، مع أن السير في الطريق الأول كان ممكنا للوصول إلى الغاية المراد تحقيقها بهدوء وتأنٍ حتى ينقشع الضباب تدريجيا.

عزيزتي، حقا إنك فتاة في ريعان شبابك، فلا تجعلي من تلك الوردة تذبل قبل أوانها بالتهور، فحياتك لم تبدأ بعد، فلم هذا التشاؤم القاتل؟! وتأكدي أنك لست أول ولا آخر امرأة مطلقة، كما أن تعامل الأهل بعد الطلاق يأخذ منحى آخر، فتوقعي ذلك في ظل العادات والتقاليد التي نشأنا عليها في مجتمع الإسلام.

في تقديري، ولعلي أكون صائبا، أن مشكلتك تتصف بوجهتين لكل منهما طابع مختلف، وتكاد تكون السلبية هي التي تغلب عليها، فالوجهة الأولى أنت المسؤولة عنها أما الوجهة الثانية فيتحمل مسؤوليتها أهلك دون أدنى شك.

فلنبدأ بك أولا كإنسانة مطلقة، ألا ترين أنك تتعجلين الأمور دون تريث؟ ودليل على ذلك قولك إن الطلاق لم يهمك في البداية على الإطلاق، وكأنما كنت تنتظرين هذا الفرج بفارغ الصبر حتى تتمكني من الخروج مع صديقاتك والتفرغ لإشباع رغبتك المدفونة كما يحلو لك دون اكتراث بمن يحيطك أو تقدير لمشاعر أهلك حفاظا على العادات والتقاليد الأسرية.

عزيزتي، لم توضحي لي في رسالتك ما إذا كنت تعيشين مع أهلك تحت سقف واحد، أو تعيشين في منزل مستقل، ولا أعلم إن كان لديك أطفال أم لا، ربما هذه المعلومات البسيطة كانت تفتح لنا آفاقا أوسع للتفكير بشكل آخر في بعض البدائل الممكنة التي قد تساعدك في تخفيف المعاناة، فعلى سبيل المثال أنت موظفة، وتعتبر الوظيفة متنفسا كبيرا لهمومك، وقد يمنحك العمل فرصة تأسيس علاقات والتعرف على شريك حياتك القادم عن كثب، وغير العلاقات يمكنك تحقيق ذلك من خلال إنتاجك في العمل وفرص الترقي وخلاف ذلك من الأمور الإيجابية التي تساعدك على ممارسة حياتك الطبيعية والبعد عن المراقبة المملة والمحاسبات المتعبة من قبل المحيطين وما إلى ذلك من تلك الكلمات الجارحة والعقاب النفسي والبدني مثلما تتعرضين له حاليا.

هناك من البدائل الكثير، وربما تساعدك في إعادة الثقة بنفسك، وثقة أهلك بك، وعلها تكون بداية لحياة جديدة تخلصك من هذا الوضع التراجيدي الذي تعشينه حاليا. 

أما فيما يتعلق بالوجهة الثانية التي يسأل عنها أهلك من حيث التعامل القاسي والطريقة التقليدية التعليمية المتبعة معك في تحطيم معنوياتك من خلال تكبيل يدك وتقييد حريتك بشكل مبالغ فيه وبخاصة عندما ينهالون عليك بالشتم والضرب أحيانا وغير ذلك من أساليب العنجهية التي تفقد جدواها في التعامل البشري والتي تخلو من الأساليب الحضارية في التفاهم الراقي لمثل حالتك!

عزيزتي قد تكونين ملامة لتلك النتيجة السيئة التي برزت في حياتك من خلال تعامل أهلك معك بطريقة غير مباشرة خصوصا لما بدر منك من سوء تصرف وسلوكيات خاطئة في استعجالك بعض الأمور التي سبق ذكرها، واللامبالاة وعدم الاهتمام بوضعك كمطلقة في مجتمع لا يرحم معنى الطلاق ومكانة المرأة، فلمجابهة هذه الوضعية غير المرضية في ظل وجود الترسبات الاجتماعية وتأثيرها في سلوكيات الأسر تجاه تعاملها مع أفرادها، وبخاصة البنات لابد أن يكون لك نهج يتصف بالفن واللباقة وشيء من الدبلوماسية في التعامل وحسن التصرف والتعويض الإيجابي، وإثبات حسن النية والظن في نطاق حدود الحرية الممنوحة للسعي، والعمل على تغيير اتجاه الأسرة والمجتمع لإعادة الثقة والنظرة الإيجابية للمرأة بصورة عامة، فعليك إثبات ذلك بصورة فعلية ومن خلال ممارستك الطبيعية كأي امرأة عاملة لها دور مهم مكمل لدور الرجل، وعليها مسؤوليات لابد من تحملها عبر إنتاجها في المجتمع.

عليك التركيز على هذا الجانب المهم الذي يشفع لك الكثير ولاشك أنه سيمنحك المكانة المرموقة في المجتمع التي ستكون بمثابة الفخر والاعتزاز بدلا من المحاسبة والاضطهاد من قبل أهلك والآخرين، فانطلقي بهذا المبدأ المنطقي وستجنين نتائج إيجابية بإذن الله تعالى.