كانت فكرة نقل وزراعة الأعضاء البشرية غريبة في وقت مضى، أو كانوا يعتقدونها فكرة يصعب تحقيقها يوماً ما، لكن اليوم غدت هذه الخطوة الطبية ممكنة تماماً وتنقذ آلاف الأرواح حول العالم.

كم نسعد حقيقة عندما نسمع عن قصص إنسانية غاية في الروعة؛ عندما يقود أب دراجته الهوائية مسافة أربعة آلاف كيلومتر ليسمع صوت دقات قلب ابنته المتوفاة في صدر إنسان آخر، أو عندما ينقذ طفل شخصين آخرين بعدما قرر والداه التبرع بأعضاء طفلهما، أو عندما يقرأ أحدهم مأساة طفلة وحاجتها إلى كلية ويبادر بالتبرع إليها بكليته دون أن تربطهما علاقة معرفة أو نسب، فهذه الأعمال الإنسانية العظيمة لا تقدر بثمن أبداً، فأين نحن من هذا كله؟

على الرغم من الآراء القانونية والشرعية المتباينة حول الموضوع إلا أن القانون البحريني المعني بنقل وزراعة الأعضاء البشرية يضمن عدم التلاعب في هذا المجال الذي يعد عالمياً من المجالات الخطيرة التي تهدد أمن البشر من خلال عمليات المتاجرة بالأعضاء البشرية والجرائم الكبيرة التي قد ترتكب جراء هذه النوعيات من المتاجرات المحرمة.

ورغم بعض الجدال الذي قد يدور حول المادة الخامسة من القانون البحريني الخاصة بضرورة موافقة أقارب الشخص المتوفى لنقل الأعضاء من جثته، والتي يحددها في شرطين، منهما “ألا يكون الشخص المتوفى قد أوصى حال حياته بعدم استئصال أي عضو من جسمه وذلك بموجب إقرار كتابي يشهد عليه شاهدان كاملا الأهلية”؛ ونحن لا نظن أننا وصلنا إلى هذه المرحلة كي يوصي أحدهم قبل موته بذلك، إلا أننا على ثقة تامة في البحرين بقدرتنا على تنظيم هذه العملية الإنسانية، دون الوقوع في المحظورات التي قد تضر المتبرعين ومحيطهم من الأقارب بل المجتمع بأسره، خصوصاً أن القانون يُحدد في هذه الجزئية “موافقة أقرب الأشخاص إلى المتوفى حتى الدرجة الثانية، فإذا تعدد الأقارب في مرتبة واحدة، وجبت موافقة غالبيتهم”. نرى أنه بالرغم من الجهود المبذولة في مجمع السلمانية الطبي لعمليات نقل وزراعة الكلى والحفاظ على الأرواح وإنقاذها، إلا أننا بحاجة ــ بعد مرور 19 عاماً من صدور المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية ــ إلى مركز متخصص لنقل وزراعة الأعضاء البشرية بشكل عام وليس الكلى فقط، في الوقت الذي لا نرى فيه سبباً وجيهاً واحداً يُعطل إنشاء مثل هذا المركز المتخصص ويمنع تقدمنا الطبي في هذا المجال سواء بإنشاء مركز طبي عام أو خاص مع الاستفادة من إيجابية ما هو ملاحظ من تزايد للمستشفيات والمراكز الطبية في البحرين في السنوات الأخيرة.