سأبتعد اليوم عن السياسة وسأنزوي في قرية صغيرة في أطراف الغابة كما يقولون، وسأكتب عن الملحمة الإنسانية، السعادة، الرضا، البساطة، الابتسامة، أغنية الانتصار، فجوهر القضية ليس في الحياة، بل في الناس... الناس هم الشيء الأساسي، سمعت هذه الحكمة من عجوز روسي قابلته في فرنسا، وبالتحديد في “المترو” كنت جالسا بجانبه وذكرت له أن أخي الأصغر عاش في روسيا سنوات طويلة، ونحن نهتم كثيرا “أنا وأخي” بالروحانيات والفلسفة التي تهتم بخلاص الإنسان من معاناته وتنير له الطريق المظلم، كان يضحك باستمرار، والابتسامة لا تفارق وجهه، وعندما سألته عن سبب ابتسامته الدائمة قال بإنجليزية مكسرة ما معناه “الضحك هو عدم مبالاة بالواقع المعاش، أنت اليوم هنا، وغدا تحت التراب، اضحك في الحياة قدر المستطاع، وابحث عن السعادة في كل ثقب من ثقوب حياتك الفانية، وإياك أن تقوم بإحصاء مشاكلك وكل شيء يغضبك، بل عدد أفضل الأشياء التي تنجزها، ولا تستسلم لشيء اسمه الظروف، لا وجود لهذا الاسم في حياة الإنسان، تظاهر بالسعادة حتى لو كنت أتعس خلق الله، ولا تلتفت لماضيك حتى لو كان جميلا، لأن الماضي شيء ابتلعه الزمن، وإياك يا بني أن تلوم نفسك على وضع أنت تعيشه، فإن كنت فقيرا فأهلا بالفقر، وإن كنت معاقا فأهلا بالإعاقة، وكن دائما بسيطا في حياتك، لأن الإنسان البسيط يكون أكبر ضميرا من بقية الناس، وإياك إياك أن تطلب أكثر من حاجتك في هذه الحياة، لأن الحاجة والرغبة هي التي تسبب لنا الآلام، وحاول يا بني أن تعرف الناس على حقيقتهم قبل أن يعرفوك، لا تكن بابا موصدا، بل كن مفتاحا لكل شيء، اسع وراء الحب والحنان والعطف لا المال والشهرة، كن يا بني كما قال شكسبير... الشجاعة هي أن تكون لك مخالب دون أن تستخدمها.

هل تعرف أن حياة الإنسان تشبه أمواج البحر تماما، والحياة كما ذكرتها الكتب السماوية... كأنها ساعة فقط، لهذا عليك يا بني أن تخرج من هذه الدنيا والحياة وأنت راض عن نفسك، وبأقل الخسائر في حق نفسك، وفي حق أسرتك والناس أجمعين، حياة الإنسان مجرد كأس، هناك من يملأ هذا الكأس، وهناك من يفرغه، فكن من الذين يملأون الكأس، ولا تجعل الحزن ضيفك أبدا، ابتسم في النهار، ابتسم في الليل، ابتسم في كل وقت، حتى وأنت تغادر هذه الحياة، ابتسم، فطوبى لمن يبتسم وهو يموت، وتعسا لمن يموت ووجهه في خصام مع الابتسامة.