+A
A-

مراد علي مراد يحذر من حلول "النقد الدولي"

حذر المصرفي مراد علي مراد من استيراد حلول خارجية لمعالجة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البحرين.

ودعا إلى ضرورة أن تكون البرامج وطنية، آخذة في الاعتبار خصوصيتنا، مع ضرورة أن تكون معدة بسواعد وأفكار بحرينية، مع أهمية الابتعاد عن الحلول التي تقدمها بعض المؤسسات المالية العالمية، لاسيما صندوق النقد الدولي.

وقال مراد، وهو رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت “عادة ما يفرض الصندوق الدولي برامج تقشفية لا تناسب دولنا، (...) جميع تجارب الدول التي أخذت برأي الصندوق كانت صعبة وطويلة التنفيذ”.

وأكد في حديث لـ “البلاد” أن “البحرين بحاجة ملحة إلى إعادة هيكلة اقتصادها بما يتناسب مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة قاطبة بسبب تراجع أسعار النفط”. 

وأوضح مراد أن “الوضع الاقتصادي تغير بشكل كبير بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط، (...) لا تستطيع الدولة الاعتماد على عوائد النفط حاليا، فالأسعار متدنية، وبحسب اعتقادي ستبقى على هذه الأرقام مدة طويلة نسبيا”.

 

وأضاف “تراجع إيرادات النفط أثقلت كاهل الحكومة في تغطية مصروفاتها خصوصا البند المتعلق بالرواتب (المصروفات المتكررة)، حيث إن إيرادات النفط الحالية قد تكون كافية فقط لبند الرواتب، (...) ليس غريبا أن يصل العجز في الموازنة الجديدة 2017/2018 إلى 2.5 مليار دينار”.

وقال “المبلغ كبير جدا ولا يستطيع الاقتصاد البحريني تحمله، ومن الطبيعي أن تلجأ الحكومة للاقتراض لتغطية العجوزات، ما يعني ارتفاع الدين العام”.

يشار إلى أن الدين العام بلغ في نهاية الربع الأول من العام الجاري نحو 8.95 مليار دينار، وهو يشكل نحو 74.5 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وفيما يتعلق بالمشروعات، كان مراد متفائلا بعض الشيء حيث أكد أننا في وضع مقبول إن لم يكن جيدا؛ لأن كثيرا من المشروعات التي تنفذها الدولة، خصوصا الرئيسة منها تمول من برنامج الدعم الخليجي، وبالتالي يمكننا القول بأنها تسير بشكل جيد وطبيعي وتحرك الاقتصاد الوطني.

 

توفير الإيرادات بعيدا عن النفط

وتوقع أن تحاول الحكومات الخليجية استحداث طرق للتوفير في الإنفاق، وتنويع مصادرالإيرادات المالية من أنشطة أخرى، مثل فرض رسوم وضرائب إضافية، أو تخفيض دعمها للسلع والخدمات بشكل أكبر، موضحا أن “حكومة البحرين كانت سباقة في ذلك، فقد أخذت خطوات منذ سنتين بهذا الاتجاه”.

وحول النتائج المرجوة من ذلك، يقول مراد “أي عملية إعادة هيكلة قد تأخذ وقتا، فليس من المنطق أن نجني ثمارها بعد أشهر أو سنة مثلا، حيث تخضع المسألة لدورة اقتصادية متكاملة، ولتحصيل نتائجها نحتاج 3 أو 5 سنوات، وقد تصل لـ 10 سنوات في بعض الأحيان”.

يقول البعض إن سلسلة الإجراءات العلاجية التي اتخذتها الحكومة، كالتقشف وفرض الضرائب شابها بعض التخبط، حيث غاب التنسيق، وجاءت القرارات دفعا، وعن ذلك أرجع مراد الأمر إلى أن الأمل – على ما يبدو – كان معقودا على صعود أسعار النفط مجددا، فلم يتوقع أحد حدوث هذا الانخفاض الشديد.

وتابع مراد “الجميع اعتقد بأن الأسعار عندما بدأت تهبط من 130 أو 120 دولارا للبرميل بأنها ستتوقف عند 70 أو 80 دولارا، أما أن تنخفض إلى 30 أو 40 دولارا، فهذا لم يكن بالحسبان، (...) الأمر ليس تخبط كما يعتقد البعض، فانخفاض النفط جاء كبيرا وشديدا ومفاجئا”.

وبين أن “إجراءات الحكومة التقشفية جاءت متدرجة، فهي لم تقع على المواطنين دفعة واحدة، لكنه عاد ليؤكد أن التحدي كبير وصعب، خصوصا ما يتعلق بعجز الميزانية، ومواصلة الدولة تقديم الخدمات بالجودة نفسها. كما شدد هنا على كلمة التدرج في عملية إعادة الهيكلة لإعطائها فرصة أكبر للنجاح”. 

وأضاف “هذا لا ينطبق على البحرين فقط، وإنما يشمل جميع دول المنطقة، فجميع الاقتصادات تضررت من تراجع أسعار النفط، (...) العامل المشترك في المنطقة بالوقت الحاضر هو أن كل الدول لجأت إلى الاقتراض، رغم أن بعضها لم يعرف الاقتراض يوما، بل دائما كانت تحقق فوائض مالية”. 

وأضاف مراد “هذا يعطي تصورا واضحا لشدة تضرر دول المنطقة بتراجع أسعار النفط، (...) يمكن اعتبار الظروف الحالية أزمة من الناحية الاقتصادية”.

تعويض انخفاض أسعار النفط

 

 

وحول الإجراءات التي قد تعوض انخفاض النفط، قال مراد إنه يمكن اللجوء إلى العديد من الإجراءات العلاجية كرفع رسوم الخدمات، واستحداث بعض الضرائب مثل ما حدث بـ “القيمة المضافة”، وتحويل ملكية شركات حكومية إلى القطاع الخاص، ومحاولة جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية.

ودلل مراد بتجربة السعودية في مجال الخصخصة، فهي تنظر بشكل جدي لبيع جزء من حصتها في أرامكو باكتتاب عام، ما يعني أنها بدأت بإعطاء الفرصة للقطاع الخاص للقيام بدور أكبر، وبالتالي تتعاظم مساهمته في التنمية فضلا عن أنها تزيل العبء المالي عن كاهلها (الحكومة) وتجذب الاستثمارات الخارجية التي تحتاجها دول المنطقة، وقد تكون البحرين من أكثرها.

وبين أن “هناك الكثير من القطاعات غير النفطية التي يمكن استثمارها بشكل أفضل، كالقطاع السياحي مثلا، فهو إلى الآن لم يستغل بالشكل الصحيح، والفرصة مواتية والمقومات موجودة”.

وقال “لدينا في البحرين خصوصية لا توجد عند غيرنا، الحضارة والتاريخ، أضف إلى ذلك قربنا من المملكة العربية السعودية، والترابط الأسري بين كثير من العائلات في البلدين، وكذلك الأمر مع دول الخليج الأخرى، وهذه ميزات يمكن استثماراها بشكل أكبر”.

وأوضح مراد أن “المواطن الخليجي عادة ما يأتي وعائلته إلى البحرين ويبقى يومان أو ثلاثة أيام كحد أقصى، ماذا لو حاولنا زيادة فترة إقامته وضيافته إلى 4 أو 5 أيام بالتأكيد سيعود ذلك بالنفع الكبير على كثير من الأنشطة الاقتصادية”.

كما أن القطاع المالي مازال جاذبا، والسوق قادرة على استيعاب المزيد من المؤسسات، فهو يعلب دورا كبيرا في الاقتصاد الوطني، حيث تصل مساهمته في الناتج المحلي نحو 16 %، وبلغ في بعض الأوقات 21 %، (...) القطاع جدير بالاهتمام، ورغم أن هذه النسبة مرضية في ظل الظروف السائدة، لكن الطموح أكبر، لكن علينا هنا التفكير بالكيف وليس بالكم.

وقال “يجب استحداث منتجات وخدمات مصرفية جديدة تخدم كل القطاعات أساسها التكنولوجيا الحديثة”.

 

النواب والبنوك التقليدية

وفي رده على مشروع قانون لدى مجلس النواب يتحدث عن منع الصيرفة التقليدية (الفائدة الربوية)، قال مراد “أعتقد – مع الأسف الشديد – أن مجلس نوابنا بعيد عن الواقع، فإلزام البنوك البحرينية بمبدأ الشريعة الإسلامية غير منطقي، وغير قابل للتطبيق، فضلا عن التكلفة الهائلة والمدة الزمنية الكبيرة التي يحتاجها ذلك”.

وأضاف “المسألة ليست إطلاق فكرة للتغيير من التقليدية إلى الإسلامية وانتهى، فالمنظومة بالكامل تحتاج تغييرا،(...) لدينا تجربة في السوق المحلية، حيث احتاج بنك تقليدي أندمج مع آخر إسلامي إلى نحو 5 سنوات حتى استطاع التغيير، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بنظام وسوق كامل”. 

وأضاف “كما أن هذا الإجراء يتعارض مع المبدأ والسياسة العامة للدولة، فنحن بالبحرين نتكلم عن الانفتاح والتسامح والتعددية، وعن سوق منفتح جاذب للاستثمارات، ولدينا بنوك جاءت للبحرين بناء على ذلك منذ سبعينات القرن الماضي”.

وتابع مراد “الطلب النيابي مازال في بداياته حيث قدم للحكومة كمقترح، متأملا أن يتم إيقافه”، لكنه عاد ليشير إلى أنه وزملاؤه المصرفيين سيكون لهم رأي تجاه الموضوع إذا كان هناك أي توجه لتنفيذه.

 

ضريبة القيمة المضافة

وحول ضريبة القيمة المضافة التي ستطبق مع مطلع 2018، أشار مراد إلى صعوبة تطبيقها في هذا التوقيت، فبحسب ما يرى لا يوجد استعداد كاف للبدء في استيفائها؛ كون الأمر يحتاج استحداث دوائر وأقسام ووضع آليات للتنفيذ.

وأوضح أن “تطبيق أي نوع من الضرائب التي تشمل أعداد كبيرة من المواطنين والقطاعات يحتاج وقتا، وهذا ينطبق على قطاع المصارف، فهو يحتاج استحداث أنظمة وأقسام خاصة لإدارة هذه العملية، (...) لا أعتقد أنه بالإمكان تطبيق الضريبة مع بداية العام المقبل أو حتى منتصف 2018”.

واضاف مراد “حتى الدولة تحتاج هيئة أو مؤسسة خاصة تعنى بتحصيل هذه الضرائب، فضلا عن أننا بحاجة إلى بعض التشريعات الناظمة للعملية، وسن بعض القوانين لاسيما تلك المتعلقة بالتحصيل وبالتهرب الضريبي وغيرها”.

ومن الناحية الاقتصادية أكد مراد أن “الضريبة ستوفر بعض الإيرادات للدولة، وستشكل دخلا إضافيا يساعد في إسناد الموازنة وتخفيض العجز”.