+A
A-

فريد بدر.. السعادة بمساعدة الآخرين

يؤمن بأن السعادة تأتي من خلال مساعدة الآخرين وهو ما تعلمه من والدته (رحمها الله)، فيما كان لوالده الفضل في اكتساب الكثير من مهارات الحياة وبناء الثقة لدى الناس والتي تعادل الملايين. يعتبر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قدوته التي يجب أن يقتدي بها الجميع.

بدأ حياته العملية مع والده قبل أن يستقل بعمله الخاص الذي يؤمن بأنه يجب أن يدار من مبدأ الشراكة مع جميع العاملين لديه، فهو الذي يحقق النجاح. واجهته الكثير من الصعاب والتحديات إلا أنه استطاع بمساعدة والديه وزوجته والمقربين منه من تخطيها والوقوف على قدميه والانطلاق.

“البلاد” التقت رجل الأعمال فريد بدر، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات بدر ومؤسسها، ورئيس نادي روتاري المنامة والتوستماسترز. وفيما يلي نص الحوار:- 

حدثنا عن بداياتك.. النشأة والدراسة.

- نشأت في فريج المخارقة بالمنامة، إلا أننا انتقلنا إلى فريج العوضية بالقرب من رأس رمان عندما كنت في سن الـ12 عامًا، ولا يزال لدي الكثير من الذكريات حول تلك الفترة، حيث كان منزلنا بالقرب من مدرسة عثمان بن عفان الإعدادية.

دخلت المدرسة التي كانت تبعد 10 دقائق عن المنزل، ثم انتقلت إلى مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، درست فيها عام واحدًا وهي تقع بالجهة المقابلة لمدرسة الصناعة، حيث تخصصت في تصليح الراديو والتلفزيون في العام 1974، وقضيت فيها ذكريات جميلة. كان مديرها في ذلك الوقت المرحوم الأستاذ سعيد طبارة والعديد من المدرسين منهم الدكتور إبراهيم الهاشمي.

سافرت للدراسة في بريطانيا بعد أن أنهيت الثانوية وحصلت على (A Level) - التي تعادل شهادة الثانوية العامة التي لم تكن مقبولة في تلك الفترة ببريطانيا - من مدينة وينستون سوبر مير في الأعوام 1975 إلى 1978.

ثم حصلت على شهادة (H&D) - دبلوما عليا - وهي شهادة شبيهة بالدراسة في بوليتكنك البحرين، فالتحقت بجامعة سونزي في ويلز بتخصص الهندسة المدنية في الفترة من العام 1979 إلى 1982.

 

بدايات مشوار العمل، كيف كانت؟

عدت إلى البحرين في العام 1982، وكانت فترة صعبة حيث الظروف الاقتصادية بالمنطقة غير مواتية بسبب الحرب الإيرانية العراقية، لذا عملت مع والدي في مجال تركيب برك السباحة.

وبعد انقضاء عام تقريبًا شعرت برغبة في العمل مستقلا، وكانت فلسفتي قائمة على اقتسام الأرباح والمشاركة في القرارات مع العاملين لأن أي صناعة أو تجارة تستمر بمشاركة جميع المعنيين بهذا العمل من الإدارة والموظفين والعمال، لأنه عندما يتحسن وضعي المالي سيتحسن كذلك مستواهم المادي.

بدا والدي متفهمًا لقراري وأعطاني أحد فروع شركته لأبدأ مشواري الخاص. تعلمت منه الكثير كالمثابرة والعمل الجاد والصبر والشفافية فهي سبل العمل الناجح. 

عندما بدأت العمل اكتشفت أن الشخص الذي كان يدير الفرع (أجنبي) بأنه (حرامي)، حيث غادر المملكة مباشرة. بدأت المشوار مع 6 موظفين تقريبًا.

كنا نستورد البضائع من بريطانيا وقمت بدور المدير والمحاسب ومسؤول المبيعات والمشتريات.

تمكنا في العام الأول من تحقيق مبيعات بواقع 35 ألف دينار، وأخبرت الموظفين لدي بأن فلسفتي تقضي بمشاركة الأرباح بين الجميع، (...) فكلما طورنا العمل سنستفيد جميعنا. وضعت هدفًا أوليًّا في تلك الفترة وهو أن تصبح شركتي التي يطلق عليها (أطباء العوازل) المتخصصة في تقديم خدمات عوازل الأمطار الأفضل في البحرين، وأن تصل الشركة بعد 5 أعوام إلى تحقق إيرادات شهرية 35 ألف دينار وهو ذات المبلغ لكن شهريًّا، وهذا لا يتحقق إلا بالمثابرة والعمل الجاد والصبر والإبداع.

وصلنا إلى أهدافنا، رغم مواجهتنا لكثير من المشاكل والعراقيل.

 

حدثنا عن تطور العمل، كيف كان؟

نشرت إحدى الصحف المحلية خبرًا يشير إلى أن الحكومة تواجه تحديات في توفير الكهرباء بالتماشي مع سرعة البناء، فلمعت فكرة لدي بإيجاد حل لتوفير استهلاك الكهرباء من خلال استخدام العوازل في الأبنية، الأمر الذي سينعكس على كمية الكهرباء المستهلكة وعلى قيمة الفاتورة النهائية. وبالفعل بدأت بإعداد دراسة الجدوى وسافرت إلى العديد من الدول وزرت بعض المعارض للاطلاع على التقنيات المتوافرة وتوصلت إلى أن مادة (البوريثين فورم) وهي مادة عازلة للحرارة تعمل على توفير الطاقة بنسبة 40 %.

وفي العام 1987 - 1988 ذهبت إلى وزارة الكهرباء التي كانت تحت إدارة سعادة الوزير الأستاذ عبدالله جمعة الذي رحب بالفكرة، واقترح أن نتعاون مع وزارة الأشغال في بناء منزل تجريبي وتزويده بعوازل الحرارة مجانًا وإذا كانت النتيجة إيجابية يتم تطبيقها، وبعد مرور 6 أشهر وجدونا أن نسبة التوفير في الكهرباء تتراوح ما بين 35 % و40 %، وبدأنا بالتطبيق.

وكعادة الأسواق في كل مكان، يكون هناك تخوف من الجديد، فقد واجهنا بعض الإشاعات والأكاذيب حول أن المادة ضارة لكننا رمينا كل ذلك وراء ظهورنا وواصلنا.

أصبحت جميع منازل مدينة حمد مزودة بالمادة الجديدة التي تعزل الحرارة، وتحقق وفرًا بالصيانة والكهرباء بلغ مليون دينار سنويًّا.

عندما كنت أستورد المادة من بريطانيا أخبرتني الشركة الصانعة بأنها سترفع السعر 15 % من صباح اليوم التالي، وأخبرتهم أنه كان يجب عليهم إخباري بالقرار قبل فترة حتى أتمكن من التكيف معه، إلا أنهم أجابوني بأنهم سيطبقون القرار سواء أعجبني أم لم يعجبني، وكان التحدي بالنسبة لي أنني أخبرت محدثي بأنني ذات يوم سأصنع هذه المادة في البحرين وأبعثها له بسعر أقل، دون أن أمتلك التقنيات والأموال لتصنيعها، ودائمًا في حياتنا نواجه المشاكل والتي أفضل تسميتها “تحديات” والتي يجب تحويلها إلى فرص واستثمارها.

حاولت البحث عن مصدر آخر لاستيراد المادة لكن دون جدوى، وبالصدفة وخلال عودتي إلى البحرين خالي اليدين فتحت الحديث مع الشخص الذي كان جالس بجانبي في الطائرة والذي أخبرني بدوره أنه يمتلك التقنيات اللازمة لتصنيع المادة، واقترح علي أن نتشارك في الأمر وبعد أسبوع اجتمعنا وأعددنا دراسة. 

في تلك الفترة كان بنك البحرين للتنمية قد افتتح حديثًا وبدأ بتقديم الدعم المادي لرواد الأعمال، ذهبت إليهم وأعطيتهم الدراسة التي أعددتها، وبعد أن قاموا بإعداد دراسة من جانبهم كانت نتائجها أفضل، وقرروا منحي التمويل لإنشاء المصنع إلا أنهم طلبوا حصة بواقع 30 %، تفاوضت معهم واتفقنا 10 % فقط.

بدأ العمل واستوردنا المكائن لكن للأسف كانت النتائج عكس توقعاتنا، فقد واجهتنا كثير من المشاكل، فتراكمت الديون وتوقف التمويل ولم أتمكن من دفع الرواتب ومستحقات التجار، فطلبت من البنك تصفية العمل أو خروج أحد الشركاء وبقاء الآخر، فطلبوا من شريكي الخروج وبقيت أنا بسبب ثقتهم بي.

بدأت العمل مرة أخرى، وأقنعت المدينين بمنحي بعض الوقت، وكان للبنك موقف مشرف معي لن أنساه أبدًا.

واصلت العمل ليل ونهار بدون دخل (...) زوجتي وقفت إلى جانبي وصبرت وتحملت الكثير حتى تمكنت من إيقاف المصنع على قدميه، وأعددنا منتجًا نستطيع تقديمه إلى السوق، وهنا ظهرت مشكلة جديدة وهي عدم تقبل المستهلك للمنتج، خصوصًا أن الناس دائمًا ما يفضلون الأجنبي.

طلب مني بعض المستثمرين الإيطاليين إنتاج العوازل للسوق الإيطالي ووضع عليها أنها صناعة إيطالية، إلا أنني رفضت ذلك بسبب افتخاري بالصناعة البحرينية.

وفي ذات يوم تغيرت المعادلة، إذ إنني معتاد على شراء ويتلكس أصفر اللون وتناوله مع وجبة الإفطار، فطلبت من زوجتي إحضاره لكنها قالت أنني لم أشتره وإنما أحضرت منتجًا آخر هو (ويتي بسكيت) وهي علامة تجارية أخرى لكنا تحمل نفس اللون، فجاءت لي فكرة لتغيير لون بضاعتي إلى نفس لون المادة التي تنافسني في السوق، وبالفعل تم الأمر وحدث التغيير المطلوب. استطعنا الدخول إلى 400 متجر بالبحرين في العام 1997، ثم توسعنا إلى دول الخليج ثم المنطقة فالشرق الأقصى وإفريقيا.

وإذا سألني أحد عن إنجازاتي، فإنني سأقول أن هناك 25 مليون شخص في 25 سنة في 25 بلدًا سعداء من منتجاتي.

انتعش العمل بعد ذلك، وتوصلت منذ 3 أعوام إلى اتفاق مع بنك البحرين للتنمية واستحوذت على شركة الخليج لصناعة القار والطلاء التابعة لمجموعة شركات بدر - الشركة الوطنية الوحيدة الرائدة في تصنيع المواد العازلة للمطر والرطوبة بالبحرين منذ عام 1993 – وحاليًّا زوجتي هي شريكتي بالعمل.

 

ما السعادة بالنسبة لك؟

السعادة ليست بالمال والجاه والنجاح، فهذه سعادة مؤقتة، أما السعادة الدائمة فتأتي من رضا الله ثم الناس. وسعادتي أن أجعل الناس ينجحون وهذا شغفي أن أخبر الشباب عن قصتي وعن كيفية تحقيق النجاح.

 

قدوتك في الحياة؟

الرسوم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن ناحية النجاح اعتبر ستيف جوبز، وبالعمل التطوعي غاندي والأم تيريزا.

تعلمت من والدي الصبر والمثابرة، ومن والدتي (رحمها الله) السعادة الأبدية فعندما تساعد الآخرين تصبح سعيدًا، فهي نبراس في جميع الأمور.

 

كيف استطعت التوفيق بين حياتك الشخصية والمهنية ؟

عبر التجربة والتعلم من الأخطاء، والاستعانة بالأهل عند مواجهة المشاكل فهم يقدمون المساعدة المعنوية التي تحتاجها ويتحملون معك الصعاب لمواصلة المشوار.

واجهت الكثير من المشاكل بالعمل، فقد دخلت بمشاريع مطاعم وسفريات ومنيت فيها بخسائر كبيرة بسبب غياب الخبرة، إضافة إلى خسائري بالمصنع، ومن أجل التخلص من جل هذه المشاكل كنت على وشك إعلان إفلاسي، إلا أن وقفة والدي وزوجتي بجانبي كان لها الأثر الكبير، (...) نصحوني بالنهوض والبدء من الصفر مجددًا. وطلبوا مني تصفية ذهني والتفكير بوضوح، لذلك ذهبت للعمرة وجلست هناك مع نفسي، راجعت حساباتي ودعوت الله متيقنًا، (...) لعل ما حدث لصالحي.

بدأت العمل من جديد وتمكنت من الوصول إلى ما أنا عليه اليوم بتوفيق من الله، واليوم أحب مساعدة الآخرين ودفعهم إلى النجاح.

 

أول راتب تقاضيته؟

50 دينارًا وذلك عندما عملت في مصنع أبل للألمنيوم أثناء الإجازة الصيفية ولمدة شهرين، وكان مجموع ما حصلت عليه نظير عملي 100 دينار اشتريت به غيتارا، فأنا أحب الموسيقى.

 

ما هوايتك المفضلة؟

أحب العزف على الغيتار والاستماع للموسيقى الكلاسيكية، وكنت ألعب الكاراتيه وفنون الدفاع عن النفس “المارشال أرت” التي تعلمت منها التركيز والسيطرة على الغضب وكيف استطيع أن أصبح خبيرًا في أمر ما.

أحب السباحة، وأدعو الشباب للقراءة، كما أن لدي هواية جديدة بدأت في ممارستها وهي الخطابة لتحفيز الشباب بعد أن أصبحت رئيسًا نادي توستماسترز، إضافة إلى كونني رئيسًا لنادي روتاري المنامة.

 

فريقك الرياضي المفضل.

كنت من مشجعي فريق مانشستر يونايتد، وأتابع مباريات كرة القدم إلا أنني لست متعصبًا، وأحب مشاهدة مباريات كرة السلة.

 

 آخر كتاب قرأته؟

آخر كتاب يحمل اسم (البيت في السماء) للكاتبة أماندا، وهذه السيدة تم اختطافها في الصومال لمدة عام كامل وتم المطالبة بفدية لتحريرها، وكتابها يتحدث عن كيف تمكنت من مواجهة الصعوبات التي مرت بها والتغلب عليها، كما يحتوي على العديد من الدروس، وبعد نشرها للكتاب تواصل معها مختطفوها واعتذروا منها عبر الفيسبوك، والآن تعمل على مساعدة النساء على مواجهة المشاكل التي يعانون منها في الصومال. 

الجميع يستطيع مساعدة الآخرين وتغيير حياتهم للأفضل، وإذا تمكنا من ذلك سنصل إلى مجتمع متناغم والمحبة منتشرة بين الناس، ومسامحة شخص حتى لو تسبب لي بأذى، والإنسانية أهم شيء فإذا فكّر الإنسان في ذلك يكون سعيدًا.