+A
A-

"المسحراتي".. يُكمل المشهد الجميل لشهر رمضان

تقف مهنة "المسحراتي" صامدة أمام التحديات التي تواجهها، وتهدد بأفولها إلى الأبد، لتصبح في ذمة التاريخ، يتذكّرها كبار السنّ فقط الذين عاصروها، ويروونها لأبنائهم وأحفادهم على أنها من الأساطير القديمة. في المقابل، يؤمن البعض بأن هذه المهنة ستظل باقية، باعتبارها أحد التقاليد المهمة، المرتبطة بالشهر الفضيل كل عام، سواءً في المملكة العربية السعودية، أو بقية الدول العربية والإسلامية، إذ يرى أغلبية سكان المملكة في "المسحّراتي" صورة لا يكتمل شهر رمضان بدونها، وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتقاليد الشّعبية الرمضانية.

و"المسحراتي" أو "المُسحِّر" هي مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ الصائمين في ليل شهر رمضان، لتناول وجبة السحور. والمشهور عن "المسحراتي" هو حمله للطبل أو المزمار، ودقّها أو العزف عليها؛ بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، وعادة ما يكون النداء مصحوباً ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.

 

تقدّم الزمن

ومع تقدّم الزمن وتطور المجتمع تكنولوجياً، أصبحت هذه المهنة شبه منقرضة، بعدما كانت مشهورة ومتداولة بقوة، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج العربي، وبعض بلدان شمال إفريقيا العربية مثل: مصر، وتونس، والسودان، وليبيا، سوريا... وغيرها. فرغم ظهور الأجهزة الذكية والمنبهات القادرة على إيقاظ الناس، فإن المواطنين في مناطق المملكة، يفضّلون سماع طبلة وصوت "المسحراتي" في ليالي رمضان، ويخرج الأطفال من منازلهم أو يطلّون من النوافذ لرؤية "المسحراتي"، وهو يمسك طبلته، ويبادلونه التحية والسلام والتهنئة بمقدم الشهر.

واعتاد "المسحراتي" في القرى السعودية سابقاً، أن ينادي الأهالي بأسمائهم، وهو يطرق عليهم أبوابهم أو نوافذهم، ولا يتركهم إلا بعد أن يتأكد من استيقاظهم بالفعل، وكان لكل قرية صغيرة، مُسحِّر خاص بها، ومع النمو السكاني وكثرة عدد السكان، ومع قلة عدد المُسحِّرين، اكتفى أغلبية المُسحِّرين بأن ينادوا على الأهالي بأسماء عامة، أو ذكر بعض العبارات التي تُذكّرهم بتقوى الله، وتدعوهم إلى التخلي عن النوم، والاستيقاظ لتناول السحور.

 

مهنة الـ 30 يوماً

ويؤكد الذين يؤمنون بقرب أفول "المسحراتي" أن هذه المهنة لم تعد مطلوبة، بعدما اعتاد الناس السهر في ليالي الشهر الكريم، لتناول السحور وأداء صلاء الفجر، قبل الخلود للنوم، وبالتالي هم ليسوا في حاجة إلى من يطرق عليهم الباب؛ ليوقظهم كما كان في السابق، مشيرين إلى أن "المسحراتي" مهنة لـ 30 يوماً فقط كل عام، ومن الصعب أن يمتهنها البعض، لتكون مصدر دخلهم الوحيد، الأمر الذي يعزز اندثارها.

وكان بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام وابن أم كلثوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور. الأول يؤذّن، فيتناول النّاس السّحور، والثّاني يمتنع بعد ذلك، فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام. وأول من نادى بالتسحير عنبسة ابن إسحاق سنة 228هـ، وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي النّاس بالسحور، وأول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر. أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب، فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.

 

أشهر الأقوال

وكان "المسحراتية" في مصر يطوفون في شوارع المدينة أو القرية يردّدون الأناشيد الدينية، وينادون الناس ليستيقظوا، طالبين منهم أن يوحدوا الله، ويضربون على "طار" ضربات متوالية، حتى يسمعهم النائمون، فيهبوا من نومهم لتناول السحور. ومن أشهر العبارات المشهورة للمسحّرين قولهم:

"يا نايم وحّد الدّايم يـا غافي وحّـد الله

يا نايم وحّد مولاك اللي خلقك ما بنساك

قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم".

 

"المسحراتي" في الدول الإسلامية

وقد انتشرت مهنة "المسحراتى" في جميع البقاع الإسلامية، ففى عمان يوقظ "المسحراتي" النائمين على الطبلة أو بالناقوس، وهو يقول: "يا نائمين الليل قوموا تسحروا.. يا مسلمين السحور يا صائمين"، أما في المملكة العربية السعودية، فيوقظ "المسحراتي" النائمين بقوله: "ربي قدّرنا على الصيام، واحفظ إيماننا بين القوم". وفي السودان يطرق "المسحراتي" البيوت، ومعه طفل صغير يحمل فانوساً ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت، حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلاً: "يا عباد الله وحّدوا الدايم ورمضان كريم".

وقديماً كان "المسحّراتي" لا يأخذ أجرةً، وكان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمرّ بالمنازل منزلاً منزلاً ومعه طبلته المعهودة، فيوالي الضّرب على طبلته نهار العيد لعهده بالأمس في ليالي رمضان، فيهبُ له النّاس المال والهدايا والحلويّات ويبادلونه عبارات التّهنئة بالعيد السّعيد، ومن الأهمية القصوى لدور "المسحراتي" نجد أن العديد من فوانيس رمضان أصبحت على شكل "مسحراتي"، ويردد ما يقوله "المسحراتي" في المواقع؛ نظراً لمدى أهمية هذا الرجل في المجتمع ومدى فرحة الأطفال به بحسب سبق الالكتروني.