العدد 3131
الخميس 11 مايو 2017
banner
كنوزك لا تغفل عنها
الخميس 11 مايو 2017

غالباً نتعامل مع الأشياء التي في أيدينا، والتي نحن واثقون أنها في أيدينا، بنوع من الإهمال والزهد وعدم التقدير، ولا نلتفت إليها إلا بعد أن تغدو كاملة في أيدي الغير، سواء هذا الغير كان شقيقا، أم صديقا، أم مزاحما، أم منافسا، أم عدوا، المهم حينها أنها لم تعد في أيدينا أبداً، ومن ثم تبدأ رحلة الاستعادة المريرة، وتشظي الكنوز، وتبعثر قيمتها، والطارئون من الناس مذبذبون بين مصدِّق لروايتك، ومصدق لرواية الطرف الآخر، أو غير مهتم بالتصديق لأنه لم يعايش ما تعتبره حقاً وكنزاً ثقافياً، ومعرفياً، وحضارياً، وفنياً وتراثياً.

إلى حدّ كبير، تشبه هذه القصة قصة ضياع فلسطين، إذ ظن من سبقونا أن القضية من الوضوح بحيث لا يمكن أن ينكرها مُنكر، ولكنها بعدما صارت حقيقة في أيدي الصهاينة، وتم نسج قصص حول أحقيتهم بها؛ صار من الصعب اليوم أمر استعادتها، أو استعادة القصة نفسها.

على الصعيد الثقافي، يعي الصهاينة أن لا تاريخ لديهم ولا ثقافة جامعة في هذه المنطقة، فراحوا يتشبثون بأي شيء يمكنهم أن ينسبوه إلى أنفسهم. ففي صاعقة لم يبتلعها العالم، قالوا إن بني إسرائيل هم من بني الأهرام، فلما رأوا امتعاض الناس من هذه الأكذوبة؛ أجّلوا هذا الحلم إلى حين، وبدأوا في ادّعاء أن “الطعمية” هي وجبة يهودية في الأساس وليست مصرية، حتى أنني رأيت في مدينة هانغالو الهولندية مطعمين على زاويتين متقابلتين، أحدهما رفع العلم المصري، والثاني العلم الإسرائيلي، يبيعان الأصناف الشعبية نفسها، وكلٌّ يدّعي أنه الأصل.

في البحرين أيضاً، لدينا هجرات ضخمة، ضاع الكثير من تراثنا وتفرق في بلدان مجاورة، نصنع السفن الخشبية للغير، فينسبها لنفسه، وأنها آتية من “أسيافه”، نبخل على مغنينا الشعبيين، فتلتقطهم هيئات ثقافية غنية الموارد، ناضبة المواهب، فتغري، وتشتري، وتسجل عمالقتنا باسمها، وعقداً بعد عقد، سنفيق على إزاحة كبيرة لكل ما كنا نفخر به ليفخر به آخرون ليس لهم من عمق الثقافة والتاريخ والتراث ما لنا، لنكتشف هجرة عظيمة حدثت في غفلتنا، واطمئناننا المخادع بأن ما لدينا لا ينفد، ونصحو على صفر مخزوننا الثقافي، كما حدث في فورة حمّى هدم بيوتنا القديمة لبناء عمارات شوهاء تقوم على المتاجر وتعلوها الشقق، ونتسابق على بيع الصناديق، والسُّرر، ومنقوشات الجبس الأصلية، والنوافذ والأبواب لتجار  يستخدمونها اليوم في نسج الكثير من القصص الواهمة، ليدخلوا بها مساحات من التاريخ ما كانت لهم يوماً، نبقى نضرس، وليس في أيدينا سوى حيلة العاجز بالبكاء على ما فات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .