العدد 3110
الخميس 20 أبريل 2017
banner
عُروتنا الوثقى
الخميس 20 أبريل 2017

ما رنّ هاتفي حاملاً رسالة تدعو للصيام مع الفلسطينيين القابعين في غيابت السجون الإسرائيلية؛ حتى وجدتني أوزع هذه الدعوة يمنة ويسرة، وأعقد العزم على أن تكون في اليوم التالي، والأيام التي تليه، وقفات تضامنية ولو بسويعات من الصيام للتضامن مع جدارنا الأخير في هذه الأمة، مع الفلسطينيين الرائعين المرابطين بمجرد صبرهم على الطغيان الصهيوني وجبروته.

لا وقت للالتفات إلى التفذلك ما إذا كان هذا يسمى “صياماً” أم لا؟ أو هل يجوز أم لا يجوز تجويع النفس في غير أمر ديني؟ أم هل هناك ثمة جدوى من هذا الفعل؟ هل سيصل صيامنا إلى الفلسطينيين؟ هل سيشكل ضغطاً على الإسرائيليين؟ هل سيقنع العالم بشيء؟ ومهما طال الجدل في كل ما تقدم، يمكننا الرد بتساؤل في صيغة أمر: هل لكم أن تخرسوا؟!

ففي حين كانت فلسطين الهم المقعد المقيم لأجيال خلت، منذ سقوطها بفعل الخيانات، والتلكؤ، والكسل، والتثاقل إلى الأرض، والخوف على العروش؛ فتلاشى الاهتمام بها إلى الحدود الدنيا، وتشتت الاهتمام وتشظّى وتوزّع، وصارت القضايا تصغر وتصغر، وتقترب من أنفسنا، تضاءل حجم الاهتمام بالعام إلى الخاص، وخاصّ الخاص، وحتى لا يكاد المرء يهتم إلا بنفسه، وسيكون محظوظاً لو استطاع أن يهتم بها أيضاً. لهونا في غمرة الأحداث التي ينفخ في نارها النافخون من وراء كل أكمة، وزادتنا الانقسامات الاجتماعية والثنائيات ما بين حضر وبدو، ومسلمين ومسيحيين، وسنة وشيعة، انغلاقاً على ذواتنا نقوّيها ضد بعضنا البعض لئلا نُخترق من أنفسنا، وحتى لا نكسر أنفسنا، فضّلنا أن ننتهي من “عدوّنا الداخلي”، بتصفيته والقضاء عليه قضاء مبرماً، ومن ثم نتفرّغ للجهاد الأعظم لتحرير بيت المقدس وأكنافه، ولكن المعركة الداخلية ستطول، وتنسينا القضية الأساسية، وتتشعب القضايا الداخلية، والمحلية، والذاتية أيضاً، وتنسلخ منها قضايا فرعية، ونصبح كمن انفرطت حبات مسبحته على سطح من الرخام، ولا يدري من أين يبدأ في التقاطها وهي تتقافز أمام ناظريه، وهل يستطيع لمّها وإعادة ترتيبها أم لا.

إن صياماً كهذا، أو تعاطفاً، أو تعاضداً، أو لنسمّه ما نشاء، من شأنه أن يبقي القضية المركزية الأساسية حيّة في النفوس، وخصوصاً من الأجيال الجديدة التي لم تتربَّ على الالتصاق بأجهزة الراديو منتظرة بيان القمم العربية التي تسدد لها الصفعات في كل مرة لأنها لا تقدم إلا قذائف الكلام، وهي الأجيال التي لا تعرف أسس القضية الفلسطينية ولا من هم قادتها التاريخيون، ومراحلها ومفاصلها، أجيال ترى في الصراع هذا عبثا، ومن الأسلم والأسهل أن يتصالح الطرفان ويعيشا بأمن وسلام، حتى وإن خسر الفلسطينيون ما خسروه. ويوازي هذا الجيل في الخطورة، الأجيال التي سبقت، وحاق بها اليأس والقنوط، وبات كل شغلها تكسير الهمم، والحديث عن اللا جدوى، واللا حل.

فلنصُمْ حتى تبقى الجذوة مشتعلة قويٌ اوارها، ولكي نتذكر دوماً أننا مدينون لتلك الأرض وهناك دَين ينتظرنا لنسدده، دَينٌ لا يسقط بالتقادم، ولا يمكن احتسابه من الديون المعدومة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .