العدد 3093
الإثنين 03 أبريل 2017
banner
مسؤولية المرور
الإثنين 03 أبريل 2017

لا يوجد للناس حديث هذه الأيام في البحرين إلا عن ما يظهر لهم من مخالفات مرورية تتجمع عليهم كلما حركوا سياراتهم يمنة ويسرة، ويشعر البعض أن الإدارة العامة للمرور تريد أن تخلي الشوارع من السيارات حيث يلزم كل سائق بيته ما استطاع لأن في ظهوره مدعاة للمخالفات التي تترصده من كل جهة، حتى صارت الشوارع تسبب الرعب لدى الغالبية من الناس، إذ لا يعلمون من أين ستأتيهم المخالفة، ولأي سبب، حتى باتوا يتلفتون في كل اتجاه للتأكد من مصدر الرصد والترصد.

يشتكون أن المخالفات المرورية مبالغ فيها، وأنها في سبيلها لإفقارهم والتشطيب على ما بقي في جيوبهم التي مسّها الضُّر لكثرة ما تناوشتها المخالفات والرسوم والزيادات في المعيشة مع عدم الزيادات في الرواتب، بل التلميح بعدم انتظار زيادة حتى يفرجها الله من عنده، وهذه التلميحات وإن جرى كبحها، إلا أنها كالوحوش الضارية التي تنتظر غفلة لتنطلق من جديد وتنهش ما وسعها النهش والعضّ في الجيوب، ذلك مع أن متوسط دخل البحريني هو رابع أعلى دخل عربياً بحسب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان)، إذ بلغ – بحسب المؤسسة – أكثر من 24 ألف دولار في العام، أي حوالي 750 ديناراً في الشهر!

لا أحد ينكر ما وصل إليه الشارع البحريني من تدهور مروري، ليس على مستوى المخالفات والحوادث وحسب، بل وصولاً أيضاً إلى الذوق العام الذي ينقرض ويتراجع إلى حدود دنيا عاماً بعد عام، ويأسف من كان سائقاً قبل عشرين أو ثلاثين عاماً على التردّي الحاصل في الشارع، الذي يردّه البعض إلى الازدحامات، والبعض يرجعه إلى “الواسطات” التي تلغي عقوبات المرور عن البعض فتتسع رقعة المخالفين، والبعض يقول إن الدول الأخرى كانت تضرب بنا المثل في الالتزام المروري، فجرى نقل تجاوزاتهم ورعونتهم إلينا وتطبّعنا منهم، فكما أخذنا كلامهم وملابسهم وطرائق عيشهم، فليس من غرابة أن نأخذ أيضاً منهم أخلاق شوارعهم.

الأسباب كثيرة، ولا يمكن القول إن هناك سببا وحيدا لا غيره هو الذي أدّى لأن لا تكون شوارع البحرين اليوم كالأمس، ولكنني أعتقد جازماً، أن واحداً من أهم الأسباب هو فلسفة المرور نفسها. إذ تم ترك الأمور على مدى السنوات العشرين الماضية (تقديراً) تتفاقم وتتدهور، ولم تكن الصرامة متوفرة في الضبط ولا في المتابعة والإجراءات، ولا في الاستمرارية بحيث يكون الأمر أكثر من مجرد حملات بل يوميات في الشوارع حتى استرخى السائقون، وباتوا يمارسون ما يعتقدونه اليوم أنه من قبيل “الحقوق المكتسبة”، و”ما جرت عليه العادة”، فأيّ قانون أو قرار يظهر اليوم للعودة إلى التطبيق الصحيح بعدما أصبح الانحراف عن الخط الأساس بائناً؛ فسيكون من قبيل التعسّف، كمن يسكت عن ورم صغير، أو يعالجه بالمراهم، ليكتشف بعد مدة أنه انتشر وتمدد وباتت حتى العمليات الجراحية لا تأتي بنتيجة معه.

لا شك أن الكثرة الكثيرة من السائقين اليوم في دهشة ممزوجة بالغضب من قرارات المرور، على الرغم من أن القرارات لا تقول أكثر من ألا تتجاوزوا السرعة ولا تقطعوا الإشارة ولا تدخلوا المربع الأصفر والطريق غير سالك، ولكنهم لكثرة ما تخطوا كل هذا، لسنوات طويلة؛ مستاءون لهذا التشدد المكلف الذي يقيد انفلاتهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .