+A
A-

بحرينيـات يدخلن عالم الملاكمة

-          هوشة" في دورة مياه عامة تُغير مجرى حياة طالبة إعلام

-          أطفال موظفة "المحاكم" يحضرون حلبة الملاكمة ويراقبون التطور 

-          والد "الطبيبة" يرفض الرياضة الذكورية العنيفة .. والأم تشجع 

-          دعوة لعدم إطلاق الأحكام والاحتكام للتجربة الواقعية

أثبتت المرأة البحرينية وجودها ومكانها في مواقع وقطاعات عدة، وسجلت حضوراً مميزا في الحراك الثقافي والاجتماعي والرياضي، وحفرت اسمها في محافل إقليمية ودولية. 

على المستوى الرياضي، سجلت البحرينية المنجز تلو الآخر، وحصدت الذهب والفضة وحققت الانجازات المتتالية في سابقات السرعة والسباحة .. غير أن عدداً من الألعاب الرياضية ظلت حكرا على الرجل، ومعتركاً تنافسياً تبتعد عنه النساء. 

الملاكمة واحدة من الألعاب الرياضية التي بقت في إطارها الذكوري على امتداد عقود. فلم تعرف النساء البحرينيات والخليجيات دربها إلا مؤخراً وبعيداً عن الأضواء. 

“البلاد” التقت 3 نسوة قررن خوض معترك هذه الرياضة بدعم من مدرب بريطاني قدم للمملكة قبل عام ونيف ليجدوا فيها اللياقة والثقة والتنفيس عن الغضب، حسبما أكدن للصحيفة. 

ودعت الملاكمات الناشئات المجتمع البحريني إلى خوض غمار التجربة ولمس نتائجها أولاً، قبل أن يشرع في الحكم عليهن والاكتفاء بمراقبتهن عن بعد. 

 

غسيل الأسنان

وفي بداية اللقاء، شرعت المتدربة الأكثر خبرة والأصغر عمراً، شيخة الظاعن بالتعريف بدورها الاجتماعي الأساسي كطالبة في تخصص إعلام المواقع الإلكترونية بجامعة بوليتكنك. 

تقول الظاعن التي بلغت الـ 18 ربيعاً: “شرعتُ في تعلم الملاكمة قبل سنة ونصف، وشعرتُ في ذلك الوقت بصعوبة في صعود السلم، فهذا المجهود البسيط كان يتسبب بصعوبات في التنفس، واضطر للجلوس قبل إكمال السلالم”.

وتتابع: “وزني الزائد أدى أيضاً إلى مشكلة في الثقة بالنفس، وكنت أتلافى النظر للمرايا حتى عند غسيل أسناني”.  

 

هوشة 

وتروى شيخة حادثة أدت إلى تغيير مجرى حياتها، دارت فصولها في إحدى دورات المياه العامة، عندما شهدت بأم عينيها فتاة تضرب أخرى، والمجني عليها عاجزة عن الدفاع عن نفسها. 

تقول شيخة: “لست عدائية بطبعي، ولا أحب (الهواش)، ولكنني طلبت من المعتدية التوقف عن الضرب، فردت بدفعي للوراء (دزتني)، وهنا حصلت عركة، .. وشعرت يومها بأهمية القدرة على الدفاع عن النفس”. 

وتضيف: “تبلورت الفكرة عملياً مع رغبة أخي في التدريب على الملاكمة، وطلبت إليه أن أرافقه”، واستمريت في حضور صف، جميع الزملاء فيه من الصبية الشباب، وذلك إلى أن بلغ لعلمي أن فصلاً للبنات قد تأسس، فانضممت على الفور”.

 

 

رضا الوالدين 

تؤكد أن التدريب المستمر على الملاكمة لم يأخذ أي شيء منها، (3 ساعات في الأسبوع)، ولكنه أسهم في تغيير حياتها، اللياقة تحسنت، والثقة موجودة، وأنا الآن قادرة على الدفاع عن نفسي. 

وتضيف: “لا أريد أن أؤذي أحداً أو أشرع في مبارزة، ولكن الإحساس بقدرتك عن الدفاع عن نفسك رائع”. 

وبالنسبة لإمكانية الاحتراف في مجال الملاكمة، تؤكد رغبتها في دخول مباريات، غير أن والديها غير راضيين عن هذه الخطوة، ولذا ستكتفي بدروس الملاكمة في إطار الحفاظ على اللياقة والمقدرة الدفاعية.

تخريب الجسم   

وفيما يتعلق بالبيئة الشبابية المحيطة، تلفت إلى أن الكثير من صديقتها قد نصحنها بعدم المواصلة في التدريب، محذرين من إمكانية “تخريب” جسمي إلا أنني أرى أن لياقة وبناء جسدي قد أضحت أفضل.  

وتزيد: يتحدثون عن “خراب، فيما خسرت وزناً كبيراً في وقت قياسي بعد أن وصل حاجز الـ 90 كيلو غراماًالملاكمة تدفعني إلى ضبط أكثر لإيقاع الطعام، وبدأت أحسب السعرات الحرارية في كل مكون غذائي. 

وتختلف الحالة والأوضاع  الاجتماعية لإسراء بوشهري عن زميلتها شيخة، فإسراء امرأة عاملة ومتزوجة وأم لأطفالٍ صغار، بكل ما تحمله هذه الأدوار من أعباء ومسؤوليات. 

توضح بوشهري أن من قادها إلى عالم الملاكمة هو أحد أصدقاء العائلة الذي أخبرها عن وجود مدرب مستعد لتعليم الإناث، وأكد لي “أن اللعبة رائعة وستحبينها، وهذا ما حصل فعلاً”.  

 

التدخين 

وتلفت إسراء إلى أن هذا التشجيع والتحفيز من دائرة الأصدقاء جاء في وقت كانت تواجه فيه مشاكل وصعوبات في التنفس، نتيجة عادات غذائية غير صحية (التدخين). 

وتردف: إن مشكلة صعوبة التنفس بدت تتراجع بعد جلسات التدريب الأولى، بل أن التدريب على الملاكمة بات متنفساً لضغوطات الحياة، وأضحت التعامل مع أطفالي أكثر هدوا وأقل انفعالاً. 

وتفيد: أنا أعمل في المحاكم، وهذا المكان بؤرة للتوتر العصبي، غير أن الملاكمة منحتني الفرصة لتصريف الطاقة السلبية، وعليه، فإن زوجي رحب بالخطوة وأصبح من المحفزين أيضاً.  

 

أطفال داخل الحلبة   

وتشير بوشهري إلى أن المدرب ستيف هو أحد العناصر المحفزة لاستمرارها في عالم الملاكمة، فهو يراقب أدائي في الجلسات على نحو مستمر ومباشر .. ولا يقبل بنمو مشاعر الإحباط وانخفاض الطاقة بداخلنا، هو يهتم حقيقةً والمسألة لا تتعلق بجمع الأموال.

وتُردف: إن المدرب يُحفزنا دائما، ويبعث رسائل نصية بعد انتهاء الجلسة ..حسن فعلتِ اليوم”. ويسمح لي بأن أحضر أطفالي إلى حلبة التدريب . هذه المعاملة لم أجدها في النوادي الصحية الراقية. 

تؤكد إسراء أن الطريق الذي اختارته نحو الملاكمة كرياضة دفاعية مستمر، مشيرة إلى رغبتها إلى إحضار اثنيتين من صديقاتها لجلسات التدريب في المستقبل.  

واختتمت بوشهري حديثها لـ”البلاد” بدعوة وجهتها للناس “جربوا وضعوا أنفسكم في موقعنا قبل أن تحكموا علينا”. 

 

 

عام للوراء 

تعود طالبة الطب بالجامعة الأيرلندية دلال سلطان بذاكرتها للوراء عاماً من الزمن لتستعرض رغبتها الأولى في تعلم الملاكمة، والتي اقترنت بهدف خسارة الوزن أيضاً.

وتضيف: “نعم، حضرت جلسات تدريب الملاكمة بغرض الوصول لمستوى من النحافة، وحققت مرادي.. إلا أنني شعرت برغبة في تغيير نمط حياتي بأكمله أيضا نحو منحي أكثر صحةً”. 

وفيما يتعلق برد فعل المحيط إزاء التوجه الجديد، تُبين دلال أن والدها قد أظهر معارضة ليست ببسيطة لرغبتها في تعلم (لعبة ذكورية)، إلا أنها أقنعته بعدم وجود ما يمنع على الفتاة تعلم الملاكمة التي ستزيد من قوتها. 

 

المرافق 

وتضيف: أجل، ممانعة والدي تراجعت بعد أن رأى النتائج بأم عينيه، أضحيت أنحف وأكثر ثقة، وقادرة على الدفاع عن نفسي .. أنا استطيع اليوم حماية ذاتي وإن خرجت بمفردي، ولا احتاج مرافقاً. 

وتشير إلى أن والدتها اتخذت موقفاً مغايراً لأبيها، فشجعتها منذ البداية على الخطوة، وكذلك بعض صديقاتها اللاتي لم يستطعن مقاومة الإحساس بتعب اللعب، فتوقفن لاحقاً. 

لا تخفي سلطان صعوبة في تقسيم الوقت بين دراسة الطب وتدريب الملاكمة، غير إنها تشير في الوقت ذاته إلى أن حقلها الأكاديمي يتضمن مساحة مشتركة كبيرة مع هذه الرياضة الدفاعية، فنحن ندرس علمياً العضلات وكيفية تحركها، وآلية عمل الجسد.   

 

تكواندو أو كاراتيه 

ووجهت دلال دعوة لكل فتاة وامرأة وأم إلى تجربة لعبة الملاكمة وما ستنتجه من تقوية للمهارات الذاتية في الدفاع عن النفس، مشددة بأن على البنت أن تكون جاهزة للدفاع عن نفسها .. قد تضطر إلى السفر خارجاً بمفردها.. “ تكواندو أو كاراتيه أو ملاكمة”.. الخيارات كثيرة.         

وتحدثت “البلاد” أيضاً إلى مدرب الملاكمات الثلاث، ويدعى الكوتش ستيف، ويحمل الجنسية البريطانية للوقوف على هذه التجربة الرياضية النسائية الحديثة نسبياً على المجتمع البحريني المحافظ. 

ويقول ستيف: “تجربتي في البحرين تمتد لـ 15 شهراً، وجئت للمملكة بغرض الزيارة لمدة شهرين أو ثلاثة فقط، ولم يكن قبل حضوري تواجد فعلي لرياضة الملاكمة هنا”. 

 

الأولمبيات

ويستطرد: “غير أن وقعت بعشق البحرين وقررت الاستقرار هنا، وأعمل الآن لتأسيس نادٍ خاص، ليكون الأول في تجهيزه بكافة متطلبات اللعبة .. لدي طموح بأخذ الشباب البحرينيين (الصبية تحديداً) إلى الملاكمة الأولمبية في الدورات المقبلة، فلم يشهد هذا الحدث الدولي مشاركة بحرينية من هذا النوع أبداً”.  وبالنسبة لحجم انتشار رياضة الملاكمة بين الفتيات البحرينيات، يوضح ستيف: إن تقدم الحركة كان بطيئاً في البداية، فلا يوجد من يعرف أن هنالك حصصاً خاصة تقدم للسيدات، إلا أن هنالك تقدماً في الوعي الآن، وأظهرت مجموعة منهن الرغبة في التعلم المتقدم للملاكمة، وعدم الاكتفاء بالقواعد الأساسية. 

 

لا تفريق بين الجنسين 

وردا على سؤال فيما إذا كانت هنالك معاملة خاصة للنساء، يقول: لا أعامل النساء بشكل مختلف، أنا صريح وواضح في تعليمات التدريب، ولدي الآن مجموعة صباحية، وأخرى مسائية، وهناك نسوة راغبات في الحصول على حصص فردية خاصة... لكن لا تفريق بين الجنسين.  يستعرض المدرب أسباب عدة تدفع البحرينيات لأخذ حصة تدريب ملاكمة لديه، قائلاً: قد تكون أماً، وزوجة وراغبة في الابتعاد عن الضغوط العائلية، وقد تكون طالبة طب وتريد التنفيس عن الأعباء الدراسية.

ويردف: قد تكون أنثى تملؤها مشاعر الذنب، وبحاجة لمزيد من الثقة بالنفس، فيما بعضهن عاشقات للعبة ويرغبن بأخذها على محمل احترافي.

ويتابع: الأهم من السبب أن تبادر أي فتاة أو سيدة يملؤها الفضول أن تتقدم خطوة للأمام وتجرب الملاكمة، وآلا يكتفي أي شخص بإصدار الأحكام من بعيد.