العدد 3083
الجمعة 24 مارس 2017
banner
تجارة الشهادات وتجارة المخدرات
الجمعة 24 مارس 2017

جاء اليوم الذي أصبحت فيه أخبار الجامعات مثل أخبار تجارة المخدرات والاختلاس والاستيلاء على المال العام، زمنٌ عجيب حقًّا ذلك الذي يزول فيه الفرق بين محراب العلم وبين محلات البقالة وغيرها من المحلات التي تهدف إلى الربح فقط من دون تفكير في مصلحة المجتمع. في الماضي كانت الأخبار السلبية المتعلقة بالجامعات تنحصر – في أسوأ الظروف - في قضية محاولة غش من قبل أحد الطلاب، أو رفض إحدى الجامعات تعيين شخص متفوق في وظيفة معيد، وتفضيل من هو دونه، أما في أيامنا هذه – للأسف الشديد - فأصبحت الأخبار كالآتي: “إحالة أوراق وشهادات صادرة عن جامعات خاصة إلى النيابة بعد أن تبين وجود شبهة جنائية حول هذه الأوراق”، هكذا أصبحت أخبار الجامعات الخاصة، وهكذا أصبحت حال مؤسسات تفترض فيها النزاهة والقدوة. 

إن تحويل الجامعات إلى دكاكين لبيع الشهادات جريمة ضد المجتمع بأكمله؛ لأن الشهادات ليست كالتبغ، وليست كالبطيخ والخيار المُعالج بالهرمونات ليقع ضررها على من يشتريها فقط، ولكن ضرر الشهادات المزيفة يتعدى ذلك بكثير؛ لأن الشباب الذين يحملون هذه الشهادات يمكن أن يكونوا قادةً في المستقبل ويكونوا مسؤولين عن غيرهم، فمنهم القاضي، ومنهم الطبيب، ومنهم المدرس... فكيف سيحققون التقدم لأنفسهم ووطنهم وهم الذين بدأوا حياتهم بالتزوير؟ 

لم تتقدم الدول إلا بالتعليم، ولم تتأخر دول أخرى إلا بفساد التعليم؛ لأن فساد التعليم فسادٌ لكل المهن، فإذا كانت المسألة هي الكسب من إقامة هذه الجامعات الخاصة، فإن على القائمين على هذه الجامعات أن يبحثوا عن هذا الكسب في عشرات المجالات الأخرى؛ لأن الإصرار على الاستثمار في التعليم على النحو الذي ينتج عقولاً خاوية، لا يقل خطورة عن تجارة المخدرات، حيث الإثراء على حساب تدمير الشباب بدنياً وعقلياً ونفسياً.ولا نبالغ إذا قلنا إن ما يجري حالياً يدمر سمعة أستاذ الجامعة نفسه، وهو الذي كان ينظر إليه حتى وقت قريب بأنه آخر الرجال المحترمين. 

ومهما كان الكلام قاسياً، فإن على  الجامعات الخاصة سواء في مملكة البحرين أو غيرها من البلدان - إذا ثبتت عليها التهم - أن توقف نشاطها التعليمي نهائياً، لأن سمعتها ستكون قد دمرت، وسيكون من العار على أي أستاذ أن يقوم بالتدريس فيها، أما عن خريجي هذه الجامعات، فسوف يـُنظر إليهم من قبل المجتمع بأنهم أقل شأناً من غيرهم من الخريجين.  وفي النهاية، لابد من طرح هذا السؤال: هل تعجلنا في تجربة الجامعات الخاصة من دون استعدادات ودراسات كافية، ولم نستفد من تجارب الغير في العالم العربي؟ أم أن تجربة الجامعات الخاصة في العالم العربي كله تجربة تحتاج إلى مراجعة؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية