+A
A-

واحات المحرق.. مدينة عصرية هرمت قبل أوانها

* المتضررون بين سندان "المطور" ومطرقة "الأشغال"

* تملّك الوحدات بأموال خاصة... والخدمات كارثية

* لا بنية تحتية وصهاريج الشفط زائر يومي ثقيل

* المدينة حاضنة للروائح الكريهة والحشرات وخيبة الأمل

* تشييد الجامع يروي قصةً عن التلكؤ والمماطلة

* مسطحات مياه راكدة تحمل أمراضًا مهددة للصحة

* نقص في الخدمات... وزيادة في الكلاب الضالة

هي مأساة أخرى كُتب على البحرينيين أن يعايشوا فصولها، وكأن البعض قدّر لهم أن تتحول أحلامهم البسيطة إلى جاثوم مرعب، حتى إن الاستيقاظ منه قد يصبح صعب المنال في ظل ما يواجهونه من عوائق.

واحات المحرق المدينة العصرية هرمت قبل أوانها، وتحولت في وقت قصير لمدينة غير مرغوبة رغم جمالها وحسن عمارتها؛ وذلك بسبب عدم توفّر شبكة للصرف الصحي وشبكة لتصريف مياه الأمطار فيها.

وبشكل متكرر، تفيض البالوعات، فتغمر مياه "الفضلات" الشوارع والطرقات، لتقتحم المنازل الجديدة التي لم يمض على بنائها سنتان، وإذا بصهاريج الشفط تتحول لزائر يومي ثقيل، لا يفارق الشوارع والأزقة.

"البلاد" شاهدت هذه الصهاريج تجوب الشوارع لدى لقائها مجموعة من الأهالي بحضور النائب محمد الجودر، وذلك بناء على طلبهم؛ لأنهم ضاقوا ذرعا بمماطلة المسؤولين الذين يتقاذفون المسؤولية فيما بينهم، وبعد أن عانوا ما عانوه مع أزمة الأمطار، لجأوا للسلطة الرابعة متحدثين بأعلى صوت، مناشدين في آخر المطاف رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة لحل المشكلة، مشيرين إلى أن سموه لا يدخر جهدا بالنظر إلى شكواهم وتوجيه المسؤولين؛ للوقوف على مطالبهم وتلبية احتياجاتهم.

فصل آخر من المعاناة هو افتقار الشوارع لنظام الإنارة، والمدينة رغم أنها كبيرة، وعلى الرغم من أن مجمعات أخرى ستشيّد بها في المستقبل القريب، إلا انه لا يوجد فيها سوى مدخل واحد، كما أن القاطنين يعانون مشكلة بيئية هي الأخطر على الإطلاق، حيث توجد مسطحات مياه راكدة تحيط ببعض شوارعها، وهي بطبيعة الحال مرتع مفضل للحشرات الحاملة للأمراض الميكروبية التي تصنف علميًا بأنها "مهددة للصحة العامة"، ناهيك عن قصة بناء الجامع وعدم اكتماله حتى اليوم، وتفاقم مشكلة الكلاب الضالة التي باتت تشكل خطرًا حقيقيًا على السكان، وهكذا أمست "واحات المحرق" حاضنة للروائح الكريهة والحشرات والعتمة وخيبة الأمل وإهمال المسؤولين.

 

بالوعة واحدة تفيض... وما يحصل مرعب

محمد عبدالناصر محمد أحد الملاك المتضررين يقول لـ "البلاد": المشكلة الأساسية التي تواجهنا في "واحات المحرق" هي عدم توفر البنية التحتية، خصوصا شبكة الصرف الصحي وشبكة تصريف المياه.

ويضيف: إن انحباس مياه الأمطار فاقم المشكلة، حيث فاضت البالوعات وأغرقت مياه "الفضلات" الشوارع وصولا لبعض البيوت، حتى إن بعض الأهالي لم يستطيعوا الخروج من منزلهم بسبب تجمع المياه الوسخة التي غمرت بيوتهم، مضيفا أن بعض الوحدات خرت أسقفها بالمياه، وهذه مشكلة المفروض ألا تواجه المباني الجديدة.

وشرح أن بالوعة واحدة تفيض تؤثر على خط سكن بحاله، فتتضرر بيوت عدة جراءها، ويصبح المكان غير محتمل على الإطلاق؛ بسبب وصول مياه فضلات البالوعة لتلك البيوت وانبعاث الروائح الكريهة منها.

ويردف محمد بأسى: عرضنا المشكلة على المطور وعلى الأشغال، ولا استجابة حتى الآن من الجهتين، ويوما بعد يوم تتفاقم المشكلة ويصبح الضرر أكبر على الأهالي.

 

دفعوا أموالهم والنتيجة... صدمة العمر

وقاطع المتضرر أنس عبدالله كلام محمد بلهجة مليئة بالغضب والانفعال، قائلا: نحن ضحايا، كلنا ضحايا، أهالي المنطقة ومشروع واحات المحرق ومجمع 255.

ويضيف: بعضنا تملك وحدته السكنية عن طريق مشروع مزايا، وآخرون لديهم قروض عقارية، وهذا المفروض خفف العبء على وزارة الإسكان، علما أننا لم نتسلم الوحدات وفق الجدول الزمني المرفق، لكن مشكلة التأخير وقبلناها.

ويستكمل: ما لا نرتضيه، أن نكون ضحية لمشروع تجاري، مياه الفضلات تدخل بيوتنا، لا إنارة في الشوارع؛ لذا نعمد إلى إضاءة الشوارع من حسابنا الخاص من خلال إضاءة بيوتنا، الطرقات غير مرصوفة بالإسفلت، لا مرتفعات على الشوارع، وهذا يشكل خطرا كبيرا على أبنائنا، وقد يعرضهم لا سمح الله لمشكلة الدهس.

ويوضح: هناك أكثر من 300 وحدة سكنية متضررة، ونحن ندفع ما علينا للبلدية، لقاء "صفر من الخدمات".

ويردف: حتى إن تنظيف الشوارع كما تناهى إلى أسماعنا يتم عن طريق "السلف"، حيث هم يستعينون بعمال نظافة لتنظيف شوارعنا.

ويمضى بالقول: الموضوع عالق بين المطور والأشغال، لذلك كوننا متضررين، فنحن نناشد والدنا أبو علي رئيس الوزراء لإيجاد حلول سريعة؛ حتى نحصل على حقوقنا.

ويستطرد قائلا: تسلمنا بيوتنا منذ نحو السنتين أو السنة، إلا ان الأمطار عرت الحقيقة، حيث دخلت المياه لبيوتنا، وتضررت سياراتنا، مشيرا إلى أن بعضهم دفع 1000 دينار مقابل تصليح سيارته.

ويوضح: مجمع 255 يقع خلف محطة البترول، وهي ملاصقة لبيوتنا وهذا خطأ آخر، ناهيك عن أن للمدينة مخرجا واحدا مشتركا مع المحطة، إذ لا يوجد مدخل خاص للأهالي.

ويؤكد أنس: سيبنى في المنطقة أكثر من 60 عمارة جديدة، مردفا، هذا يعني أن سكان المنطقة سيزيدون خلال السنة المقبلة بنحو أكثر من 5000 نسمة، والكثافة السكانية ستزيد في الطين بلة؛ لذا لابد من وضع حلول لمشاكلنا أولا، فنحن عالقون بين مطرقة الشركة وسندان "الأشغال".

وبخصوص تشييد الجامع للمصلين، قال أنس: علمنا أن هناك متبرعا تبرع بالمبلغ بشكل كامل لتشييد الجامع، لكن أعمال البناء تسير بوتيرة بطيئة، وعندما نسأل المقاول يجيبنا لا ميزانية لدى وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف لاستكمال البناء.

الكلاب الضالة... خطر

وتعالت أصوات بعض الأهالي تطالب الصحافة برفع الصوت عن مشكلة الكلاب الضالة التي يعانيها أيضا أهل المدينة، وباتت تشكل خطرًا حقيقيا على الساكنين، وأوضحت "البلاد" أن النائب الجودر طرح سابقا المشكلة للصحافة، وستتم الإشارة إليها في هذا التحقيق.

1.3 مليون دينار... مبلغ زهيد

وأشار بدوره خالد القاضي لـ "البلاد" إلى كلفة شبكة الصرف، قائلا بأن النائب محمد الجودر حين ناقش الملف مع الشركة المطورة ووزارة الأشغال منذ نحو سنة ونصف السنة أفيد بأن تكلفة شبكة الصرف الصحي 700 ألف دينار، وحينما تم تحريك الملف من جانب العضو البلدي أفادنا بأن إجمالي التكلفة يبلغ 1.3 مليون دينار، وذلك بإضافة 600 ألف دينار، وهي تكلفة شبكة تصريف الأمطار.

وتابع القاضي أن المبلغ زهيد، ويمكن للشركة المطورة التي لم توفر بنية تحتية ملائمة أن تتحمل جزءا منه، أي بحدود 30 إلى 40 % وباقي المبلغ تدفعه وزارة الأشغال.

حمد الكوهجي... من لها سوى رئيس الوزراء؟

رجل الأعمال حمد الكوهجي، أكد أن المشكلة يجب ألا تصل إلى هذه المرحلة بوجود مسؤولين قادرين على تحريك الملفات، وإيصال صوت الشعب، وهم الممثلون عنهم، مقدرا ما بذله النائب الجودر من مجهود في هذا الملف.

وقال حتى تصل الأمور إلى الصحافة معنى ذلك أن المعني بالمشكلة غير مهتم بأموال وصحة الناس، فهؤلاء دفعوا أموالهم الخاصة، ولم يحصلوا على أدنى الخدمات اللازمة، والتي هي من حق كل بحريني.

وقال إن الوالد بوعلي صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء رجل المهمات الصعبة، قادر سموه كالعادة على حل كل مشكلة، وإن مناشدته هي الحل الأخير للأهالي، وصاحب السمو لن يدخر جهدا في مساعدة أبنائه، وسموه دائم التوجيه للمسؤولين بأن ينتهجوا سياسة الباب المفتوح، ويستمعوا لشكاوى المواطنين، وسموه يوجه على الدوام بوضع حلول سريعة للمشاكل العالقة، ومن لها سوى سموه؟

 اجتماع الجودر مع الوزير غدًا... هل من حل؟ 

من جانبه، نوه النائب الجودر أنه بداية 2016 اجتمع وعدد من المتضررين بناء على مطالبتهم مع الشركة المطورة، وطرحت المشكلة دون أي استجابة، منوها في هذا المجال.

وبعد فترة قصيرة، عقد اجتماع ثان مشترك ما بين المتضررين والنائب الجودر والشركة المطورة ووزارة الأشغال، وأكدت الشركة أنها حين استلمت المشروع لم يطلب منها تنفيذ شبكة للصرف الصحي، بينما أصرت وزارة الأشغال على أن توفير شبكة الصرف الصحي من ضمن أعمال الإنشاءات، وهو ما رفضته الشركة، معللة بأن بناء الشبكة غير مدرج ضمن الأسعار التي تقاضتها الشركة عن المشروع.

وأضاف أن العضو المنتدب عن الشركة المطورة عرض دفع 150 إلى 200 ألف دينار مساهمة من الشركة، على أن تتحمل الأشغال باقي المبلغ؛ لتوفير شبكة الصرف الصحي.

وبين: بالفعل وُعدنا بأن الطرفين سيباشران العمل بعد نحو شهرين أو ثلاثة على انعقاد الاجتماع، ومرت قرابة سنة وإلى الآن لم نجد أي حلول على أرض الواقع.

وأكد أنه تابع الموضوع أكثر من مرة مع وزارة الأشغال دون أن يلقى آذانا صاغية، ثم وبعد مشكلة الأمطار وحين وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة، تقرر أن يجتمع غدًا الأحد مع الوزير؛ لطرح كل الملفات العالقة.

وأردف إذا لم تحل المشكلة سنطالب كلجنة مالية في مجلس النواب إدراج تكلفة هذه المشاريع بميزانية الأشغال؛ لحل  المشكلة بشكل جذري.

واستطرد أنه قام بجولة مع الأهالي منذ أيام، مشيرا إلى أن الروائح لا تطاق، وأن هناك انتشارا كثيفا للحشرات حتى إن بعض الأهالي عمد لرش بيته بالمبيدات لأكثر من مرة في السنة، وقال أنا واثق بأن هذا الوضع لن ترضاه الحكومة ولا الشركة المطورة.

وناشد الجودر رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة أن يتدخل شخصيا لحل أزمة المتضررين، آملا أن تحل أي مشكلة بين الوزارة والشركة المطورة؛ حتى لا يبقى الأهالي ضحية للإهمال والتقصير.