العدد 3058
الإثنين 27 فبراير 2017
banner
وتبقى المسارات الأخرى
الإثنين 27 فبراير 2017

أخيراً، استطاع مسلمو المهجر فهم الدرس، والخروج من القوقعة التي وضعوا أنفسهم فيها، أو تم وضعهم فيها قسراً، وأخذوا يلعبون بالأوراق التي أكسبت غيرهم المواقع على مدى العقود الماضية. وذلك بإطلاق كل من ليندا صرصور وطارق الميسيدي حملة للتبرعات في الولايات المتحدة، لجمع 20 ألف دولار من أجل إصلاح مقبرة يهودية تضررت بفعل اعتداءات موجهة للطائفة اليهودية في أميركا، وما يخصها من معابد ومقابر؛ فجمع أكثر من 55 ألف دولار.

هناك إرث متراكم يحيق بالطوائف اليهودية غالباً في الكثير من دول العالم، يتمثل في صورة نمطية مرسومة عن اليهود، قد تبقى عند حد التندر، وقد ترتفع قليلاً إلى الحذر، وربما تزيد أكثر من ذلك إلى المعاداة، كما حدث في ألمانيا النازية. وهذه الأمور استعملها اليهود، بل استثمروها خير استثمار حتى أدخلوها ضمن مناسبات الأمم المتحدة السنوية التي تعتبر تاريخ 27 يناير من كل عام يوماً دولياً للتوعية بالهولوكوست. وتدليلاً على أن هذه الصورة النمطية ضد اليهود قديمة وعميقة، يأتي قول الأمين العام للأمم المتحدة في الاحتفال بهذه المناسبة هذا العام: «لقد كانت المحرقة تتويجا لآلاف السنين من كراهية اليهود واتخاذهم أكباش فداء والتمييز ضدهم، وهو ما نسميه اليوم معاداة السامية».

لقد استطاعت الجاليات اليهودية في الكثير من بقاع العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة، حيث صُنع القرار الأممي، أن تعمل بجدٍّ ودأب وطول نفس، حتى تمكنت من قلب الصورة البغيضة عنهم، واستخدمت في ذلك أربعة مسارات: المال، والعلم، والتعاطف، والإعلام.

فاليهود منذ القدم أسياد التجارة والمال، وإليهم تنسب الكثير من الثوابت في النظم المالية العالمية اليوم، والأمر نفسه ينطبق على العلم، لأن اليهود قلة على مستوى العالم نظراً لانغلاق الديانة، فهم لا يصلون إلى 20 مليوناً حتى عند أكثر الإحصائيات تفاؤلاً، وهذا ما يدفعهم للتحصّن بالمال، والتعليم النوعي، وهذا شأن الأٌقليات في غالبية الأوضاع الطبيعية، حيث يدفعهم التهديد إلى أهمية الحفاظ على أنفسهم أو الامّحاء، فليس من المستغرب أنه عند البحث على مدى قرن مضى على الأقل، ستجد أن يهوديّاً وراء الكثير من النظريات الجديدة، والمدارس الفكرية، وإحداث التغيير على المستوى العالمي، وقد تتساءل: هل هذا الشعب عبقري إلى هذا الحدّ؟ هل هو كما يدّعي “مُختار” ومفضّل حتى يكون بهذا التأثير الموغل؟!

يأتي التعاطف الذي يبديه اليهود مع الدوائر التي حولهم، ومؤازرتهم الجميع، وذلك لتستحيل الصورة الذهنية المتوجسة، إلى محبة وقبول، بل ودفاع عن قضايا اليهود لردّ الدين لهم.

ويأتي الإعلام، وهو الحصان الذي امتطوه ليخترقوا جميع الحصون العالمية اليوم، ويتمكنوا من التأثير في المتلقين أينما ولّيت وجهك، بدءاً من الرسوم المتحركة التي تصوغ ذهنية الأطفال، وصولاً إلى صناعة السينما، مروراً بالمسلسلات والبرامج بأنواعها، ناهيك عن الصحافة التقليدية.

إن استطاع بعض المسلمين اليوم الدخول إلى بعض المسارات التي استخدمها اليهود لتحسين صورتهم، فهذا أمر يحتاج إلى دعم وترويج وتشجيع لرفع الصورة المشوّهة من الداخل والخارج، لتبقى المسارات الأخرى تنتظر من يخوضها بقوة وعزم واستمرارية حتى تبدأ في جني الثمار بعد عقود من الآن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .