العدد 3037
الإثنين 06 فبراير 2017
banner
كم من حديدٍ ضيّعنا وسنضيّع
الإثنين 06 فبراير 2017

منذ ثلاثة أشهر تقريباً وأنا على تماسّ مع تجربة المعمارية العالمية الراحلة زها حديد (1950 – 2016)، تحضيراً لكتاب سيصدر عما قريب تكريماً لها، واحتفاء بالتجربة الإنسانية الرائعة التي تمثلت في هذه المرأة الحديد.

مرتْ زها حديد بين حواجز وحوائط من النقد القاسي، وقفزت فوقها، وآمنت أن بإمكانها تحقيق طريقتها في التصميم المعماري الخارج عن جميع السياقات، والتي قال عنها الكثير من النقاد إنها تصلح فوق القراطيس وحسب ولا مكان لها لكي تنفذ على أرض الواقع، ولكن المرأة لم تستسلم، وقادت حلمها، أو حلمها الذي قادها إلى أن أصبحت واحدة من ألمع المعماريين في العالم، كونها أول معمارية (امرأة) تحصل على جائزة “برتزكر” Pritzker  التي تعد بمثابة الأوسكار في العمارة، والبعض يرفع الجائزة إلى النوبل، وذلك في العام 2004م، كما حصلت على الميدالية الذهبية الملكية ضمن جائزة ريبا (RIBA) للفنون الهندسية في العام 2016 لتصبح أول امرأة تحظى بها، وصُنفت كرابع أقوى امرأة في العالم للعام 2010 حسب مجلة التايمز، وحصلت على لقب أفضل شخصية في بريطانيا في العام 2012، كما نالت جائزة متحف التصميم في لندن عام 2014 لأفضل مصمم في بريطانيا لتصميمها مركز حيدر علييف في باكو. 

وعلى الرغم من أنها ابنة وزير عراقي، إلا أن حلمها بدخول كلية الهندسة في بغداد تحطّم على صخرة مجموعها في الثانوية العامة الذي لم يؤهلّها لذلك، بحسب قول المهندس العراقي العملاق محمد صالح مكية (1914 – 2015)، إلا أن والدها وهو وزير سابق، لم يشأ أن يخيّب رجاءها، فوفّر لها الدراسة على المسار الخاص في مدارس العمارة البريطانية التي لم تكن لتحفل بالمجموع النهائي في الثانوية، بل تركز على الشغف الفردي، وما إذا كان مستعداً للدفاع عن حلمه أم لا.

الخلاصة القريبة جداً، هي: إلى متى ستبقى بعض المحددات القديمة والمتوارثة تحدد المسارات العلمية والعملية، حيث تعلو أحبار على أوراق فوق الطاقات البشرية وإمكانياتها؟ ما الذي كان سيحدث لو استسلمت زها حديد للمسارات التي كانت ستقودها إليها علاماتها في الثانوية العامة سواء في الجوانب التطبيقية أو الإنسانية، بينما حلمها ظل مقموعاً في مكان آخر يقبع في زاوية مظلمة؟ كم حالم له أبٌ في مرتبة وزير، أو مدير، أو صاحب ملاءة مالية، يمكنه أن يسوقه خارج الدروب الرسمية إلى دروب عالية التكاليف كالتي تتوافر في الدول الغربية؟ السؤال مجدداً باختصار: كم وأدتْ هذه الإجراءات المتكلّسة من طاقات عظيمة كانت كفيلة أن تنهض بنفسها وتترك بصمتها على الدنيا بأسرها، سواء لصرامة تصل إلى حد العمى، أم لفقر يقطع الأرجل قبل أن تخطو لحلمها.

إن أي إجراء يمكن أن يُتخذ في المعرفة العميقة بإمكانيات الفرد، سيكون صعباً ومكلفاً وربما انطباعياً وشخصياً، لذا سنستمر في تضييع الكفاءات وبعثرتها إلى ما يشاء الله، ونندب مع كل نائحة تراجع الأوطان وتخلفها وهجرة المبدعين شرقاً وغرباً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .