العدد 3004
الأربعاء 04 يناير 2017
banner
أي إيمان هذا؟ (2)
الأربعاء 04 يناير 2017

عندما أتأمل إيماننا أجده بلا إيمان بالفكر الحر المنفصل تماماً عن الغيبيات والأساطير والخرافات، بل أجده غارقاً حتى النخاع في البطالة المقنعة حيث نفتقد العمل الجسور الذي نغزوا به عقول الأجيال بالعلوم والمعارف والتكنولوجيا بعيداً عن استيراد التقنيات من الخارج وتشغيلها من دون تطويرها، وإيماننا مقتصر على إدارتها فقط وليس تصنيعها، ولهذا لا يوجد إيمان بالابتكار وإنما بالاستيراد. 

نملك إيمانا ولكن من نوع الإيمان المزروع في عقولنا منذ قرون، ولم نتحرر منه بعد، وهو قائم على الإيمان بوجود كائنات في عقولنا تتصرف نيابة عنا وتقود تصرفاتنا في كل شيء حتى أنها تحدد لنا نوع العلاقات الزوجية، نوع الطعام وشكل الملابس التي نرتدي وأين نذهب؟ وماذا نفعل؟ هذا الإيمان المزروع في عقولنا سببه بضعة رؤوس فارغة تتدلى منها شعور غير مشذبة وعمائم غير مرتبة، هي التي تتحكم فينا طوال الوقت وتحدد مسارنا وهي سبب هذا الإيمان القوي الذي يتملكنا ويضعنا في الصفوف الأمامية من التخلف في العالم. 

نعم نملك إيمانا ولكنه الإيمان بالخوف والذعر والفزع والقلق والتوتر والتشتت، نملك إيمانا ولكنه الإيمان بالهروب من مواجهة الواقع، والإيمان بالخروج من المنافسة قبل إكمال المسافة، والإيمان بترك المشاكل عالقة وعدم حلها والإيمان بمحاربة العقل قبل الخرافة، والإيمان بتفوق الأجنبي في كل شيء من حولنا، والإيمان بفقدان الثقة في أنفسنا في أبسط القواعد، إيماننا قوي ولكن ليس بأنفسنا بل بالآخر فقد خسرنا معرفة الثقة بنا وتركنا أمرنا يديره الأجنبي.

هل هناك إيمان أقوى من هذا الإيمان الذي يتجسد في عدم إيماننا بأنفسنا وفقدنا الثقة في الإيمان بقدراتنا وترك مسافة شاسعة بيننا وبين قدرتنا على إدارة أنفسنا بأنفسنا وأوكلنا للأجنبي إدارة شؤوننا.

هذا هو الإيمان الذي سننقله لأجيالنا، لن يختلف عن إيماننا الذي جمدنا، والإيمان الذي سينتقل من الأجيال القادمة للأجيال التالية، وسينتهي بنا المطاف لإنسان بلا إيمان مع الاعتقاد الشائع بوجود إيمان، وهكذا نصبح أمة بلا إيمان رغم إيمانها الذي تعيش فيه، فأي إيمان هذا الذي ضاع فيه الأمان؟.

 

تنويرة: 

الرياح القوية تجبرك على تغيير مسارك لكنها لا تفرض عليك تغيير محطتك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية