العدد 2870
الثلاثاء 23 أغسطس 2016
banner
من محمــد الدرة حتى عمران
الثلاثاء 23 أغسطس 2016

يبقى المشهد المرئي المصور هو المشهد الأصدق والأوضح سعياً لإبراز الحقائق، ومهما اتسخت المشاهد بالتحريف ومحاولات التشويه إلا أن المشهد الحقيقي يبقى الأقوى والأجدى تعبيراً عن الواقع دون أن يشكك به مقدار أنملة من قبل الجمهور. ومن هنا تأتي أهمية الإعلام، لاسيما في وقتنا الحاضر، في وقت بات فيه الإعلام أكثر انتشاراً وأسرع تأثيراً من أي شيء آخر.
المشهد الذي تجلى في صورة الطفل العربي السوري (عمران) الذي قصف منزلهم في حلب، استرجع شريط الذكريات ليذكرني بالشهيد الطفل الفلسطيني (محمد الدرة) الذي استشهد في قطاع غزة خلال انتفاضة الأقصى في العام (2000) على أيادي الجنود الإسرائيليين عندما كان بصحبة والده، ورغم أن والده لوح بيده محاولاً منع الجنود من إطلاق النار عليهما وهما لم يكونا قد اقترفا ذنباً حتى تصوب البنادق نحوهما، إلا أن إرادة الرب شاءت أن يستشهد الطفل الدرة ذو الاثني عشر ربيعاً، ويصمد أباه أمام الرصاص لينقل على إثر هذه الحادثة الأليمة إلى المستشفى، ويبقى على قيد الحياة ليسرد قصة ابنه الشجاعة إلى يومنا هذا في المحافل الإعلامية المختلفة وهو مازال مُتأثراً ومعانياً من تلك الرصاصات التي اخترقت جسده.
المشهد اليوم يأتي بمأساة شبه مماثلة؛ إذ يرفع الطفل عمران من بين أنقاض منزله مصدوماً بما حكمت عليه الآلة العسكرية التي لم ترحم صغيراً ولا كبيراً من أجل الاستئثار بسلطة أو تحقيق مكسب عسكري دون مراعاة حجم الخسائر البشرية التي يتكبدها عالمنا من هذه الحروب المقيتة للحرية والأمن، والتي تزيدنا انشقاقاً ودماراً لأجل مطامع تستهين بدماء أبنائنا وتنال من سلامتهم.
أذكر أن العالم بأسره تفاعل مع حادثة الدرة، ولم تكن وسائل وأدوات الإعلام حينها أقوى مما هي عليه الآن، لكن الصورة المرئية والمسموعة تبقى بتأثيرها العميق وقدرتها على تحريك مشاعر الملايين حتى وإن لم تجمع بين هؤلاء البشر صفة موحدة غير (الإنسانية).
في ذلك العام قدمت مسرحية أو بالأحرى موقفا تمثيلياً بالتعاون مع جمعية المستقبل الشبابية والمخرج أحمد الصايغ وعرض على مسرح نادي الخريجين، وجسدت من خلال شخصية رئيسية في كتابتي لهذا الموقف التمثيلي هذه الحالة التي أعيشها اليوم باسترجاع لحظات المشهد الحقيقي على المسرح كما لو كانت قد حدثت الآن، موضحاً عمق المصيبة التي يعيشها أبناؤنا الأبرياء في فلسطين، كما هو الحال اليوم أيضاً في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من المناطق العربية التي نحلم ونتمنى أن تكون جسداً واحداً لا تفرقه العصبيات ولا السياسة والمال والسلطة ومغريات الحياة أياً كانت، لكن لا يسعنا سوى أن نذرف الدموع وندعو لأجلهم، منادين هل من قلوب رحيمة ترحمهم من جرائم القسوة والإراقة هذه؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .