العدد 2856
الثلاثاء 09 أغسطس 2016
banner
أمانة بغداد ومنزل ساسون حسقيل
الثلاثاء 09 أغسطس 2016


في ورقة سابقة كتبت عن ساسون حسقيل لول وزير مالية بدولة العراق ومدى نزاهته وحرصه على أموال العراق، كيف باع النفط العراقي بالذهب بدلا من الاسترليني وكيف سخر منه البريطانيون لأن الاسترليني كان اقوى عملة في العالم، لكنهم رضخوا له ليتهاوى الاسترليني وتنجح خطة ساسون في حماية مقدرات العراق، وحكاية أخرى حول رفضه دفع مبلغ 250 دينارا تبرع بها الملك فيصل الثاني للهلال الأحمر محتجا بأن مخصصاته لا تكفي، هذا الوزير علم عراقي شامخ وكل ما يتعلق به إرث حضاري تاريخي للعراق لا يجوز المساس به، ولكن امتدت يد العبث التابعة للأحزاب الإسلامية الحاكمة، والآن يريدون تحويل منزل الوزير ساسون حسقيل الى موقع للاستثمار بعد هدمه، وأحسب أنهم سيبنون مكانه معامل لصناعة الطرشي أو الاحذية، فيغيبون رمزا من رموز الزمن العراقي الجميل.
إن اليهود العراقيين كانوا طوال اعمارهم مخلصين محبين للعراق والذين ابعدوا عن العراق، ابعدوا جهلا وصفاقة، ولكنهم بقوا اوفياء للعراق يطعمون طعامه ويرتدون زيه ويتحدثون لغته بلهجتهم المحببة، وقبل يومين قرأت خبرا عن وفاة داود خلاصجي احد يهود بغداد الذين تركوا بغداد هربا من موجة الاعدامات التي طالتهم، ورحلوا الى بريطانيا، خلاصجي الطيب هذا قال في تعليل سبب لجوئه الى بريطانيا، إنه فعل ذلك املا بالعودة الى العراق، وقالت زوجته بعد وفاته انهما حين غادرا قبلا عتبة بيتهما قبل الرحيل املا بالعودة، وإنهما وأولادهما يتصرفون طيلة اربعين عاما كعراقيين، من يمكنه ان يحرق تلك الصفعة الناصعة وطنيا وإخلاصا ونزاهة؟
ومن يسمح لأمانة بغداد من اجل المال ان تهدم منزلا تراثيا عمره مئة عام؟
لقد أعلنت أمانة بغداد، الجمعة، منح منزل مؤسس النظام المالي في العراق وأول وزير مالية ساسون حسقيل، وسط بغداد، أحد المستثمرين بعد هدمه، وعدت المنزل “غير تراثي”، في حين اتهمتها وزارة السياحة والآثار بـ “التجاوز على القانون” باستثمار منزل تراثي.
وقال مسؤول الإعلام في أمانة بغداد حكيم عبدالزهرة في تصريح صحافي، إن “المنزل الذي يعود لأول وزير مالية في الحكومة العراقية ساسون حسقيل، موثّق ضمن سجلات أمانة بغداد ويعود اليها”، عاداً أن “المنزل غير تراثي بحسب كتاب دائرة التراث، الذي أكد أن المنزل لم يعد تراثياً”، إن سجلات امانة بغداد ليست مقدسة وكونه محسوبا على منازل بغداد لا يعني انه ليس تراثيا بما يمثله ويرمز اليه وعمره التاريخي.
ويقول عبدالزهرة إن “المنزل شيّد قبل مئة عام في شارع الرشيد، وسط بغداد، ومنح حالياً لأحد المواطنين لاستثماره”، مؤكداً أن “الاستثمار جرى بشكل قانوني”.
من جانبه، قال رئيس قسم التحريات التراثية في دائرة الآثار والتراث التابعة لوزارة السياحة والآثار سعد حمزة، إن “هناك جدلاً بشأن قضية منزل أول وزير مالية في الحكومة العراقية ساسون حسقيل”، مستغرباً “من اعتبار المنزل غير تراثي من قبل أمانة بغداد”.
وعد حمزة، هدم المنزل ومنحه المستثمر “تجاوزاً من قبل أمانة بغداد على القانون”.
قصد ساسون حسقيل اسطنبول في بداية عام 1877 وانتمى الى المدرسة السلطانية في (غلطة) ثم مضى الى فيينا عاصمة النمسا ودرس في الأكاديمية القنصلية وبعد تخرجه من تلك الأكاديمية سافر الى برلين ولندن ثم عاد الى اسطنبول ونال إجازة الحقوق، وعاد في بداية عام 1920 الى بغداد فعيّن كأول وزير مالية للعراق وذلك في حكومة عبدالرحمن النقيب.
واحتفظ بمنصب وزارة المالية خمس مرات آخرها في وزارة ياسين الهاشمي من 4 آب 1924 الى 25 حزيران 1925، وانتخب نائباً عن بغداد في تموز 1925، وجدد انتخابه في ايار 1928 وفي تشرين الثاني 1930 وترأس في المجلس النيابي رئاسة اللجنة المالية واللجنة الاقتصادية حتى وفاته في (31 آب 1932).
إنها مهمة ومسؤولية العراقيين جميعا وأهل بغداد بشكل خاص والمثقفين والكتاب والإعلاميين ومدوني الميديا الاجتماعية وأصحاب صفحات الفيسبوك للتحرك لمنع هذا الهدم وحماية التراث البغدادي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية