العدد 2854
الأحد 07 أغسطس 2016
banner
أميركا تجمع المال وأوروبا تحصد الإرهاب
الأحد 07 أغسطس 2016

العالم اليوم يشهد تغيراً جنونياً بسبب التوجهات الدولية العشوائية التي تقودها الدول الكبرى في العالم الغربي، والمفارقة التي صدمت هذه الدول ذاتها أنها أصبحت ضحية سياساتها المغامرة التي انعكست عليها في شكل تعرضها لهجمات ارهابية لم تعرفها من قبل في تاريخها، ومن هنا أصبحت المغامرة التي أرادتها هذه الدول فخاً صنعته ودبرته للدول العربية ووقعت فيه ولم تعد قادرة على الخروج من المستنقع الذي صنعته لتنطبق المقولة الإغريقية العتيقة، انقلب السحر على الساحر، والساحر بطل سحره وفقد عصاته وصار يضرب نفسه.
لماذا لم تنتبه دول أوروبا للفخ الذي صنعته لها الولايات المتحدة ودفعتها نحوه وتركتها تغرق في الوحل من دون أن تدرك اوروبا أن هذا فخ، لماذا لم تقع فيه الولايات المتحدة ذاتها بالرغم من أنها كانت المسؤولة في البداية عن الأحداث في العراق وسوريا وكل الرقعة لتي تم اختراقها وعمتها الفوضى.
ثمة نظرية لا يدركها أي محلل أو منظر من أولئك الذين يصرخون في الفضائيات العربية حول الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا، ولم يفهموا بعد السر الذي أوقع أوروبا في مستنقع الهجمات الإرهابية والذي تسبب في هذه الفوضى الأوروبية التي أزاحت كاميرون من السلطة وتهدد بإزاحة فرانسوا هولاند وبقية القارة العجوز التي لم تواكب طوال تاريخها العقلية التي تعمل بها الولايات المتحدة، فهي لم تواكب الطريقة الأميركية في العمل والتي تقوم على اهتمام أميركا بمشاكلها أولاً وحلها، ومن ثم التفرغ للعالم، بينما وقعت فرنسا وبريطانيا ولحقت بهما روسيا في الاهتمام بمشاكل العالم وأهملت هذه القارة المترهلة نفسها وهذا ما يتبادر لذهنك حينما تتحدث لأبسط مواطن أميركي أدرك سر ذكاء أميركا في استمرارية قوتها وبعدها عن المستنقع الذي وقعت فيه أوروبا، وهنا عندما تأتي للدولة الأميركية وتتأمل العمل فيها فسوف تكتشف سرا لا يخطر على بالك.
في السنوات الأخيرة شهد المجتمع الأميركي تطوراً نحو العمل وجمع المال بأية وسيلة بعكس المجتمع الأوروبي الذي غرق وأُشْغل بمواجهة الارهاب وغفلت الحكومات الأوروبية عن تنمية دولها واستغلت الولايات المتحدة الغفلة الاوروبية فشغلت بتنمية مصالحها، حتى على مستوى المواطن العادي في الشارع الأميركي تأثر بنظرية جمع المال فانزلق في سباق مع الزمن والتحدي من أجل البحث عن مصادر التفوق، ففي آخر سنتين من تاريخ أميركا شهد المجتمع والحياة الأميركية تحولات منها التركيز على العمل وجمع المال بأية وسيلة مهما كانت طالما توفرت فيها شروط الشرعية وحتى لو كانت خارج الشرعية فعليك ألا تقع في قبضتين قبضة الاعلام وقبضة المنافسين، مثل اليوم، من أجل التفوق نرى كلا من المنافسين الجمهوري والديمقراطي يدمران بعضهما البعض رغم أن سياستهما في الحزبين لا تختلف كثيرا في السيطرة على اللعبة ومنها لعبة تدمير الأمم.
سأجلب لكم صورة حرفية لما يمر به المجتمع الأميركي ويعكس التغيير الانقلابي الذي طرأ عليه، لا توجد اليوم دولة في العالم بما فيها اليابان لا تعطل فيها الأعمال يوم الإجازات الرسمية إلا الولايات المتحدة حيث الكل يعمل، ففي الوقت الذي نرى فيه أوروبا كلها تعطل فيها المؤسسات بينما نرى أميركا تعمل فيها المؤسسات، في بريطانيا على سبيل المثال لا توجد صيدلية ولا عيادة طبية ولا سوبرماركت يوم الاحد بينما كل هذه الخدمات وغيرها لا تعطل يوم الاحد في الولايات المتحدة منذ الصباح حتى قبل منتصف الليل، وعندما سألت الأميركيين العاديين الذين يعملون يوم الأحد لماذا لا تغلق هذه الخدمات يوم الاحد أجابني هؤلاء بأنه المال، بسبب المال يعمل الجميع، لا يريدون التوقف عن جمع المال حتى يوم الأحد، بينما الوضع كان قبل سنوات عكس ذلك.
هكذا خدعت أميركا أوروبا فشغلتها بأمور سياسية وورطتها في الكثير من الانشغالات مثلما هو حال فرنسا هولاند وبريطانيا كاميرون قبل أن يستقيل، نجحت أميركا في جمع المال وخسرت أوروبا موقعها وربحت هجمات ارهابية شغلتها ومازالت أوروبا نائمة وأميركا تجمع المال.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية