العدد 2834
الإثنين 18 يوليو 2016
banner
تركيا الساعات الثماني
الإثنين 18 يوليو 2016

لم يكن مساء الجمعة الماضي اعتيادياً أبداً، إذ كانت محاولة الانقلاب التي حصلت في تركيا قد شغلت الكثير من الناس في المنطقة على ما يبدو من التفاعل مع الحدث في كل وسائل الإعلام التقليدية والجديدة.
انشددت أول ساعة تقريباً من وقوع الحدث إلى التلفزيونات العربية والدولية غير الحكومية، ولكنني تذكرت نصيحة أحد المدربين البريطانيين من بي بي سي، إذ قال إنه إن وقع خطب جلل، فإنه لا يتابع ما يحدث إلا بعد مرور ست ساعات تقريبا، لأن الصورة تكون قد اتضحت، والتحليلات تكون أكثر عمقاً وعقلانية، بدلاً من حالة عدم الوضوح، وعدم اليقين التي تلف المحطات في الدقائق الأولى من عمر الحدث ما يجعل المشهد مشوشاً ومنهكاً من الأخبار غير الواضحة الاتجاه... ولكن من يملك نفسه لست ساعات؟!
هناك الكثير من الدروس في المسألة التركية الأخيرة، تجعل من أراد التعلم والاعتبار يجلس أمامها للدراسة والتمعن ومحاولة الاستفادة، إما بتلافي الأخطاء، وإما بتعلم الأفضل.
• يشير الدرس التركي إلى مرور هذا البلد بسبعة انقلابات ومحاولات انقلاب منذ منتصف القرن العشرين، المثير في الأمر أن أربعة انقلابات كانت قد نجحت، وآخرها الذي وقع في 1997، والذي أجبر من خلاله الرئيس التركي نجم الدين أربكان (1926-2011)، ذو التوجهات الإسلامية، على ترك منصبه ليتولى الجيش حماية الديمقراطية. بينما المحاولات الانقلابية الثلاث كلها حدثت في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، وكلها باءت بالفشل، وجميع من أدين في المحاولتين جرى العفو عنهم وعددهم حوالي 557، بينما هذه المحاولة يتجاوز الرقم حتى بعد منتصف ليل السبت 5000 بين قاض وعسكري بمختلف الرتب، ولا يُعلم ما الذي سيؤول إليه مصيرهم. إلا أننا في السياق نقول إن حدوث ثلاث محاولات انقلاب في سبع سنوات له الكثير من القراءات.
• يكشف الدرس التركي أن الخلاف قد يقع، بل لابد أن يقع بشكل طبيعي بين الحكومة والأحزاب الأخرى التي تقف على مسافة منها، بعضها يشكل معارضة شديدة، ولكن الخلاف لا يعني العداء، ولا يعني إزالة المخالف من الخارطة أو الوجود. فالاحترام القائم، جعل الأحزاب المعارضة لا ترضى بالانقلاب العسكري، وأن تعلن تأييدها للحكم القائم بشكل صارم، في التفاف وطني مهم حول الشرعية، ومن بعد ذلك للأحزاب حديث آخر من الحكم بالتكتيك المتفق عليه في اللعبة السياسية.
• دخلت موقع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لقراءة خبر عن أن جميع سفارات دول المجلس مفتوحة لجميع أبناء المجلس في تركيا، لغرض الاحتماء بها، أو تسهيل التواصل والوصول إلى بلدانهم، على اعتبار “خليجنا واحد، وشعبنا واحد”، ولكنني لم أقرأ هذا الخبر، فلربما أكون مخطئاً في البحث عنه في موقع الأمانة العامة.
• عندما سمعت أن أردوغان طلب من الشعب أن يخرج إلى الشوارع لدعم الشرعية، قلت لنفسي إنه يعرّض شعبه لمجزرة، ولكن ما حدث العكس، أن الكثرة الكثيرة في الشارع أوقفت مجزرة ربما كانت ستكون أسوأ من مقتل حوالي 200 في هذه المحاولة الفاشلة. أو يعرّضهم للاعتقالات، ولكنني تذكرت مسرحية “أيام فخر الدين” للأخوين رحباني حينما تصدح فيروز “لا تخافوا.. ما في حبوس تساع كل الناس.. بيعتقلوا كتير، بيبقى كتير، وبللي بيبقوا رح منكمل”. أثبتُّ لنفسي مجدداً أنني لا أصلح أن أكون لاعباً سياسياً!
• يؤكد الدرس التركي أن الناس يحمون مكاسب الدول متى ما شعروا بها، ومتى ما أثرت في حياتهم تأثيراً إيجابياً ملموساً، إذ ينتقل الناتج المحلي التركي بين 2002 و2015 من 230 مليار دولار إلى 800 مليار، ودخل الفرد من 2500 دولار إلى 10.500 دولار، وارتفاع الصادرات التركية من 36 ملياراً إلى 158 ملياراً، وأن تسدد تركيا ديناً للبنك الدولي بمقدار 23.5 مليار دولار، وترفع احتياطي البنك المركزي من العملة من 26 مليار دولار إلى 130 مليار دولار، بالإضافة إلى مئات السدود والأنفاق والمجمعات السكنية، وخفض نسبة البطالة، والسيطرة على التضخم.
• حقوق وواجبات متبادلة، عزّة وكرامة وطنية ودولية، عدالة اجتماعية، اقتصاد متنامٍ على الرغم من التحديات... من يريد أن يخسر كل هذا في سبيل المجهول؟ ولصالح من؟
• تعرَّض الرئيس أردوغان إلى الكثير من الاختبارات في السنوات القليلة الأخيرة، في مواجهات عنيفة من المحتجين، ولكن الجموع توحّدت للدفاع عن خيارها الديمقراطي، فالرجل الذي أتى بالانتخاب، يرحل بالانتخاب.
• المفارقة أن الحراكات العربية (الربيع العربي) استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي سُلّماً لها لتحشيد شعوب ضد قياداتها، بينما أردوغان استخدم وسيلة للتواصل الاجتماعي في بث مباشر عن طريق تطبيق الهاتف المتحرك “فيس تايم - Face Time” ودعا الشعب للتظاهر ضد الانقلاب، فخرج الشعب في مظاهرات حاشدة، وقام بالقبض على مجموعة من قادة الانقلاب وفشل الانقلاب في أقل من ثماني ساعات وتم القبض على المشاركين به.
• لاشك أن استخدام الرئيس التركي جهاز الآيفون، وبرنامج فيس تايم، طوق نجاة، سيرفع الاثنين إلى عنان السماء.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية