العدد 2834
الإثنين 18 يوليو 2016
banner
لعنة العراق (2)
الإثنين 18 يوليو 2016


أخطر ما في التقرير أمران. الأوّل أن بلير وعد جورج بوش الابن قبل ثمانية اشهر من الحرب بالسير معه “أيًّا تكن الأحوال”. بعد ذلك، راح الأميركيون والبريطانيون يلفقون مبررات للحرب. شارك في عملية التلفيق هذه شخص مثل كولن باول وزير الخارجية الأميركي وقتذاك وما لبث ان اعترف بأخطائه.
أمّا الأمر الآخر الخطير، فهو مدى جهل بريطانيا بما يدور في الشرق الأوسط وفي العراق تحديداً، إضافة بالطبع الى عجز بلير عن تفنيد التقارير التي قدمتها له أجهزة المخابرات البريطانية التي صورت له حرب العراق وكأنّها نزهة. انتهى الجيش البريطاني، على حد ما ورد في التقرير، يفاوض ميليشيا شيعية في جنوب العراق من أجل اطلاق اسرى له. هل من اذلال اكثر من هذا الاذلال لجيش عريق يمتلك تاريخاً حافلًا بالبطولات والانتصارات؟
يقول مسؤول عربي كبير، حاول صيف العام 2002 جعل بوش الابن يفكّر مليا في النتائج التي ستترتّب على خطوة من نوع اجتياح العراق، ان الرئيس الاميركي ردّ عليه بأنّ “الله كلّفه هذه المهمّة”. كان جواب بوش الابن كفيلًا بوضع نهاية للحوار بين الرجلين. يضيف هذا المسؤول انّه ابدى، في وقت لاحق، ارتياحه لتولي الجيش البريطاني مسؤولية جنوب العراق، بما في ذلك مدينة البصرة، الى ان اكتشف ان البريطانيين لا يعرفون شيئا عن المنطقة وعشائرها علما انّه سبق لهم أن كانوا سلطة الاحتلال فيها في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. اكتشف هذا المسؤول فجأة ان بريطانيا التي كان يعرفها في الماضي لم تعد على علاقة ببريطانيا التي يتولى توني بلير موقع رئيس الوزراء فيها. كلّ ما كان يريده توني بلير هو استرضاء الحليف الاميركي بغض النظر عن ثمن ذلك.
فنّد تقرير تشيلكوت بدقة ليست بعدها دقّة الأخطاء التي ارتكبها توني بلير وحكومته وكيف تجاوز كلّ المعترضين على الحرب من داخل الحكومة بوسائل اقلّ ما يمكن ان توصف بأنّها ملتوية. لم يبرر التقرير الحرب بقوله انّه كان من الضروري التخلّص من صدّام حسين، لكنّ الملفت انه كاد في المقابل ان يصف رئيس الوزراء السابق بأنّه “مجرم حرب” لا اكثر.
صدر التقرير في وقت تعيش فيه بريطانيا ظروفاً في غاية الصعوبة بعد الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الاوروبي الذي اظهر انقسامًا على كلّ المستويات في المملكة المتحدة. بلغ الانقسام الحزب اليميني (حزب الاستقلال للمملكة المتحدة) الذي سارع زعيمه نايغل فراج الى الاستقالة من رئاسة الحزب. تشبه استقالة فراج، الذي قاد حملة الخروج من الاتحاد الاوروبي، القاء قائد سفينة نفسه في البحر بعدما ايقن ان هذه السفينة تغرق.
كم بدا حجم توني بلير صغيراً من خلال تقرير تشيلكوت. لم يستطع الدفاع عن نفسه بأي شكل. كلّ ما فعله انّه كشف مرّة أخرى انّه ليس سوى سياسي انتهازي ادرك في مرحلة معيّنة ان عليه ان يكون على يمين حزب المحافظين في حال كان يريد الانتصار عليه في الانتخابات العامة. لذلك اخترع تسمية حزب “العمال الجديد” في معركة العام 1997. حاول تقليد مارغريت ثاتشر. نجح في ذلك طويلاً الى ان جاءت حرب العراق لتكشف انّ لا علاقة له بثاتشر التي كانت تؤثر في الرؤساء الأميركيين وترفض ان تكون تابعة لهم. ستظل لعنة العراق تلاحق توني بلير، لا لشيء سوى لان اخطاءه “أدت الى تدمير بلد بكامله ولم تحقّق أية نتيجة إيجابية” على حد تعبير والد لضابط بريطاني في الرابعة والثلاثين من العمر قتل في جنوب العراق.
هل كان مطلوباً الخلاص من صدّام حسين، أم الخلاص من العراق، وهو ما حققته بالفعل الحرب الأميركية - البريطانية - الإيرانية؟. “المستقبل”.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .