العدد 2833
الأحد 17 يوليو 2016
banner
لعنة العراق (1)
الأحد 17 يوليو 2016



عرّى تقرير اللجنة المستقلة التي حققت في ظروف التورط البريطاني في حرب العراق رئيس الوزراء السابق توني بلير الذي بقي في هذا الموقع عشر سنوات، بين 1997 و2007.
وكشف التقرير الذي وضعته اللجنة التي تشكلت قبل سبع سنوات وكان على رأسها السر جون تشيلكوت مدى تورط بلير في حرب كانت لها نتائج كارثية على العراق نفسه وعلى منطقة الشرق الأوسط والعالم، خصوصا في ظل العجزين الأميركي والبريطاني عن فهم ما هو العراق وما انعكاسات الحرب على البلد نفسه وعلى التوازن الإقليمي. لعلّ اهمّ ما كشفه التقرير الذي يتضمن مليونين وست مئة ألف كلمة كم ان بريطانيا تجهل الشرق الأوسط. تأكد ذلك من خلال التشديد في الموجز عن التقرير الذي تلاه تشيلكوت نفسه على ان الاعداد للحرب كانت تشوبه نواقص، كذلك الاعداد لمرحلة ما بعد سقوط نظام صدّام حسين. دخل البريطانيون حربًا من دون إعداد كاف لها، ثم راحوا يعيدون اكتشاف العراق وأهمّيته على الصعيد الإقليمي، خصوصًا بصفة كونه حاجزًا في وجه المشروع التوسّعي الايراني.
في الدفاع عن نفسه، تحدّث توني بلير عن “حسن نيّته”، مركّزًا على ان “اطاحة صدّام حسين ليست سبب الإرهاب الذي نشهده الآن”. نعم، كان هناك إرهاب في ايّام صدّام حسين. لكنّ الحقيقة ان هذا الإرهاب تزايد بعد اطاحته. نعم، كانت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 قبل سقوط الديكتاتور العراقي، ولكن هل قضى التخلّص من صدّام على القاعدة؟ على العكس من ذلك، زاد نشاط تنظيم القاعدة على الرغم من اغتيال أسامة بن لادن في باكستان. اكثر من ذلك، وُلد للقاعدة أبناء شرعيون من “داعش” وغير “داعش” وولدت في العراق تنظيمات إرهابية مدعومة إيرانيا تقلّد القاعدة وداعش لا همّ لها سوى تنفيذ عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في كلّ انحاء العراق. هل كان ذلك موجوداً قبل احتلال بغداد في ابريل من العام 2003؟ لم يكن ذلك موجودا، على الرغم من انّ ما لابد من الاعتراف به ان علاقات بدأت تنشأ في الايّام الأخيرة من عهد صدّام بين اجهزته وإرهابيين من نوع “أبو مصعب الزرقاوي”.
ليس الموضوع موضوع هل كان يجب التخلّص من نظام صدّام حسين أم لا؟ لا يختلف عاقلان على ان النظام العراقي السابق كان نظاماً لطخ يديه بدماء العراقيين من شيعة وسنّة وأكراد وأقدم على مغامرات مجنونة من نوع الدخول في حرب واسعة مع إيران في العام 1980 بدل التفكير في وسائل لتجنب هذه الحرب ودرء الخطر الايراني عن العراق نفسه وعن الخليج العربي كلّه. كذلك اقدم النظام العراقي على احتلال الكويت في الثاني من أغسطس 1990 غير مدرك لخطورة مثل هذه الخطوة التي تنمّ عن جهل بما يدور في العالم اكثر من ايّ شيء آخر. ولكن ما لا يختلف في شأنه عاقلان أيضًا ان التخلص من النظام العراقي السابق كان خطوة غير مدروسة كشفت جورج بوش الابن كما كشفت توني بلير.
تحدّث التقرير مرّات عدة عن انّ كل الحجج التي ساقها بلير من اجل تبرير الحرب على العراق والمشاركة فيها لم تكن قانونية. لجأ الى الحرب قبل “استنفاد كل الوسائل الأخرى”، خصوصاً انّه تبين ان العراق لم يعد يشكل خطرًا على العالم او على جيرانه وأن كلّ الكلام عن أسلحة الدمار الشامل التي يعتقد انّه كان يمتلكها لم يكن صحيحًا.
مرّة أخرى لا يمكن تبرير الحرب على العراق بضرورة التخلّص من صدّام حسين، خصوصًا انّه كان في الإمكان احتواؤه لمرحلة معيّنة تفاديًا لحصول ما حصل، أي تسليم العراق على صحن من فضّة الى ايران. كان لابدّ من التخلّص من الديكتاتور العراقي ولكن بطريقة أخرى، خصوصًا انّه كان يشكّل في كلّ وقت خطراً على العراقيين قبل ايّ شيء آخر. “المستقبل”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .