العدد 2827
الإثنين 11 يوليو 2016
banner
اعتذار بلير ومسؤولية حكومة بغداد (1)
الإثنين 11 يوليو 2016



لم يكن التحقيق الذي أجرته ولا التقرير الذي أعدته لجنة تشيلكوت يرمي الى انصاف العراق وإدانة بريطانيا لشنها الحرب عليه، فذلك ما لا يمكن توقعه من لوردات وشيوخ الامبراطورية الغاربة، إنما كان الهدف تحديد الأخطاء التي ارتكبتها حكومة بلير بنية التعلم منها، وهي نية استعمارية موروثة وتداولتها كل من بريطانيا وأميركا بشأن العراق، وهي ذات العبارة التي استعملها أوباما حين اعترف بارتكاب اخطاء في ليبيا وقال نحن نتعلم من اخطائنا، والسؤال هو هل ان دماء الشعوب وخراب البلدان دروس لتعليم الاستعماريين الجدد؟
الذين توهموا ان لجنة تشيلكوت وجدت لإنصاف العراق لم يقرأوا الأساس القانوني الذي شكلت عليه ولا الهدف والمهمة التي اوكلت لها، وكان تقريرها الذي اصدرته الاربعاء الماضي هو الحكم في ما ذهبنا اليه، فاللجنة لم تكن مهمتها ادانة قرار الحرب وشنها على العراق، وإنما تحديد الاخطاء التي ارتكبت في قرار الحرب وتوجيه الانتقادات فقط.
وقال رئيس لجنة التحقيق جون تشيلكوت في كلمة عرض فيها نتائج التحقيق “انتهينا إلى أن الظروف التي تقرر خلالها أن هناك أساسا قانونيا للتحرك العسكري لم تكن مرضية على الإطلاق”. أما اعتذار بلير فأنا أرى انه لا يرتب عليه أي اجراء قانوني فهو اعتذار اعتباري، والذين تصوروا انه اعتذر من العراقيين واهمون فهو اعتذر للبريطانيين الذين كلفتهم الحرب عددا من الجنود وإنفاق المال، وهاهو يقول: تبين أن التقييمات التي قامت بها المخابرات وقت خوض الحرب خاطئة. تبين أن التبعات أكثر عدائية وأطول مدة وأشد دموية مما كان يمكن أن نتصوره على الإطلاق.
وأضاف “من أجل كل هذا أعبر عن مزيد من الأسف والندم والاعتذار أكثر مما تعتقدون”.
الذين يأملون في محاكمة بلير في المحكمة الجنائية الدولية سيفاجؤهم أنها ليس من اختصاصها محاكمة العدوان وإنما الجرائم ضد الانسانية، كما انه لا يمكن محاكمة بلير برلمانيا فإن آخر محاكمة برلمانية جرت في بريطانيا كانت في عام 1806 وفق قانون عفى عليه الزمن ووضع على الرفوف كتراث فولكلوري.
واستبعد جيفرى روبرتسون، المحامي الدولي البريطاني البارز، وقاضي الاستئناف السابق بالأمم المتحدة، احتمال تقديم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير للمحاكمة كمجرم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد نشر تقرير تشيلكوت الذي طال انتظاره حول دور بريطاني في غزو العراق عام 2003.
وقال روبرتسون “كل من زعيم حزب العمال جيريمي كوربين وزعيم الحزب القومي الاسكتلندي السابق أليكس سالموند ألمحا بالفعل عن رغبة في وضع بلير في قفص الاتهام وهو أمر مستحيل قانونا”، مضيفا “نحن بحاجة إلى التركيز على الكيفية التي ينبغى بها تعديل القانون لضمان أن قادة المستقبل الذين يشنون حروبا عدوانية يمكن محاسبتهم”، وفقا لما نقلته عنه صحيفة جارديان البريطانية.
وقال روبرتسون إنه “ليس هناك شك في أن الغزو الانجلو أميركي للعراق كدولة ذات سيادة عام 2003 كان انتهاكا غير قانوني لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، الذي يسمح باللجوء للقوة في حالة الدفاع عن النفس، أي عندما يكون هناك خطر وشيك من هجوم مسلح، أو حالات التدخل الإنسانى”. وأضاف روبرتسون “خرق لميثاق الأمم المتحدة لا يعني أن مرتكبيه متهمون بارتكاب جريمة حرب، والتي يجب أن تكون كأية جريمة أخرى، لها تعريف واضح محدد المعالم أمام المحكمة”.
ونوه القاضي الدولي السابق إلى أن قادة ألمانيا النازية أدينوا فى محاكمات نورمبرج عام 1946، بارتكاب جريمة العدوان باعتبارها “جريمة ضد السلام”، مشيرا إلى أن شن حرب عدوانية ظل جريمة دولية، بما في ذلك في إطار نظام روما الأساسي عام 1998 المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية عام 2002.
وأوضح روبرتسون أن الفقرة الثانية من المادة 5 من نظام روما الأساسي تشير إلى أن المحكمة لا يجوز لها ممارسة الولاية القضائية على جريمة العدوان، حتى تتفق الدول الأعضاء على تعريفها الحديث، لافتا إلى أن الدول لم تتوصل لاتفاق في هذا الشأن عام 2010، وقررت إرجاء الأمر حتى التوصل لمزيد من الاتفاق في عام 2017.
وأشار القاضي السابق بمحكمة جرائم الحرب في سيراليون إلى أن استحالة محاكمة بلير تعود إلى مبدأ قانوني أساسي وهو أن القاعدة القانونية لا تطبق بأثر رجعي، وفي عام 2003 وقت وقوع الغزو، لم تكن جريمة العدوان محددة وبالتالي لا يمكن تقديم الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن (كجان رئيسي) وتوني بلير (كشريك) للمحكمة الجنائية الدولية.
وحول إمكانية محاكمة بلير بجريمة العدوان داخل البلاد إذا ما تم تضمينها في القانون العام البريطاني؟ قال روبرتسون إن المحكمة العليا في بريطانيا رفضت هذ الطرح عام 2006، حيث رفض اللورد توماس بينجهام بحزم السماح بأن تصبح جزءا من القانون البريطاني دون موافقة برلمانية.
وأكد بنجهام آنذاك أن “ممثلى الشعب في البرلمان، وليس السلطة التنفيذية أو القضاة هم الذين يفصلون في تحديد ما ينبغي أن يكون سلوكا إجراميا”.
إذا هذا هو الموقف البريطاني قانونيا من بلير ومحاكمته، أما التبعات التي تتحملها بريطانيا بسبب شنها الحرب على العراق فإن على الحكومة العراقية استشارة محامين أو شركات محاماة لتحديد الأساس القانوني الدولي الذي تتحمل بموجبه بريطانيا تلك التبعات والتعويض المنصف لما لحق بالعراق والعراقيين من اضرار.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .