العدد 2823
الخميس 07 يوليو 2016
banner
العراق وشماعة البعث وداعش
الخميس 07 يوليو 2016

ما كدنا ننتهي من نظام صدام حسين وثقافة حزبه وأساليب أجهزته الأمنية في التسقيط والتشهير والفبركات التي يعلقونها على شماعاتهم البائرة، وهي مجموعة التهم السخيفة في العمالة للإمبريالية والصهيونية لكل من يخالفهم في الفكر والرأي، والتي أضافوا لها بعد انقلابهم في تموز 1968م العمالة للمنشقين في سوريا والفرس (المجوس) في ايران، ناهيك عما كانوا يسمونه بالجيب العميل توصيفا لواحدة من كبريات حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط والعالم ألا وهي الحركة التحررية الكردستانية.
 قلنا ما كدنا نخلص من هؤلاء المرضى سياسيا ووطنيا حتى ابتليت البلاد بذات الفيروس والجرثوم الذي انتقل عبر جينات الثقافة البعثية والدكتاتورية إلى معظم مفاصل الطبقة السياسية العراقية والإدارية الجديدة التي ورثت نظام القائد الضرورة بشكل يتطابق تماما معه في السلوك والتصرفات مع اختلاف الأسماء والعناوين، فمنذ صدور قانون الاجتثاث سيئ الصيت الذي تسبب في تدمير البلاد وتمزيق نسيجها الاجتماعي والسياسي وحتى الأخلاقي، وهذه الفيروسات تفعل فعلتها في تسقيط الأشخاص تحت طائلة وشماعة البعث والنظام السابق، ومنذ سنتين شماعة داعش وما يترتب على تلك الاتهامات من عمليات تقتيل واستباحة وتعذيب وتدمير ممتلكات، كما حصل لأملاك البعثيين وبيوتهم وممتلكاتهم خارج القانون، ولما يحصل اليوم تحت شعار التعاون مع داعش من انتهاك لحرمات الأهالي وحقوق الإنسان.
لقد أنست داعش أفعال البعثيين ومن ماثلهم في كل من سوريا وليبيا واليمن، وربما كانت لأنظمة هذه البلدان اليد الطولى في تربية وإنتاج هذه الفيروسات الفاشية، ومن ثم نشرها في البيئات الجديدة التي ظهرت بعد انهيارها وسقوط هياكلها الإدارية لكي تقنع الأهالي بأنها أرحم وأفضل مما يجدوه الآن، وفعلا نجحت تلك الماكينة الإعلامية والنفسية والفشل الذريع للأنظمة الجديدة التي ورثت أو قامت على أشلاء تلك الدكتاتوريات، أن تجعل أغلبية الناس تترحم على أيام صدام والقذافي وعلي عبدالله صالح والأسد، إلا أنها ابتليت بثقافة رهيبة ستأتي عليها تدميرا وتمزيقا بعد انتهاء حقبة داعش وتحرير الهياكل الكونكريتية للمدن والبلدات التي كانت تحتلها، حيث نجحت داعش في تمزيق أواصر المجتمعات والمكونات بشكل يصعب خلال المستقبل المنظور التعايش حتى بين أبناء نفس المكون، بسبب الاتهامات التي سيوجهها الجميع للجميع في غياب أية آلية ذات مصداقية مهنية ومحايدة ومتحضرة للقانون أو الجهات القانونية لملاحقة عشرات الآلاف أو ربما مئات الآلاف من الذين سيتم اتهامهم وتعليق تلك الاتهامات بشماعة داعش كما فعلوا في شماعات الانتماء للبعث والأنظمة السابقة في بقية البلدان، وراح ضحية ذلك الملايين من البشر بين مشبوه ومتهم ومبعد ومهمش ومحاصر في لقمة عيشه، مما ولد بيئات الفساد والتمزق وانتشار العنف والإرهاب وبالتالي فشل الدولة وإفلاسها.
علينا أن ندرك أن أربعين عاما من حكم البعث أنتجت الكثير من الظواهر التربوية والنفسية والسلوكية، لكننا وبقليل من الحكمة والإنصاف لا نستطيع أن نتهم ملايينا من الذين كانوا ضمن صفوفه أو صفوف اللجان الشعبية للقذافي أو المؤتمر الشعبي لعلي عبدالله صالح ومثلهم في سوريا، بأنهم جميعا مجرمون ومشكوك في وطنيتهم بمجرد أنهم كما يقول الدارج العراقي ستروا على أنفسهم، كما فعل مئات الألوف ممن لم يستطيعوا أن يتركوا مدنهم أو قراهم التي احتلتها داعش، وهذا يعني أننا إزاء إعادة نظر كلية في توجهاتنا والعودة إلى دراسة الأسلوب الكردي في التعامل مع أتباع نظام صدام والبعث وعملائه حتى أولئك الذين أساءوا إلى شعب كردستان.
علينا فعلا أن نحطم تلك الشماعات التي نعلق عليها فشلنا وإفلاسنا، وبدلا من أن نذبح بعضنا من الوريد إلى الوريد تحت طائلة الاتهامات بعيدا عن آليات القانون والحضارة، وقبل أن نشيد بتجربة نيلسون مانديلا في تعامله مع النظام العنصري في بلاده، علينا أن نذهب إلى كردستان وندرس تجربتهم في التسامح والتعايش والبناء وكيف نجحوا في الحفاظ على أقدس شيئين يمسان حياة ومستقبل وحيوية أي مجتمع في العالم ألا وهما الأمن والسلم الاجتماعي، الذي بواسطتهما أثبتت قيادة كردستان وشعبها الصمود أمام أشرس هجمة همجية تتعرض لها الشعوب، وأمام اكبر عملية نزوح إليها دون أن ترتفع معدلات الجريمة عما كانت عليه سابقا.
تجربة جديرة بالوقوف أمامها واعتمادها أساسا للتقدم إلى الأمام إن كنا فعلا نهدف إلى بناء دولة مدنية متحضرة ومجتمع إنساني خال من العقد والاتهامات وشماعاتهم المهترئة. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .