العدد 2820
الإثنين 04 يوليو 2016
banner
أيها “السوشليون”... الساحة لكم
الإثنين 04 يوليو 2016

مساء الخميس الماضي (30 يونيو) اكتظت القاعة بجمع كبير من الداخلين بعمق في مسائل التواصل الاجتماعي بمناسبة اليوم العالمي للتواصل الاجتماعي الذي يوافق ذلك التاريخ، فكانت القاعة خليطاً بين الأكثر حضوراً وتأثيراً في هذه الوسائل من الأزياء والموضة، إلى الجوانب الشبابية، ومن ألعاب الفيديو إلى الرياضة، ومن الطعام إلى الثقافة، ومن الإعلام إلى التدريب، وهكذا تنوعت مشارب الحاضرين ممن كانوا على القائمة القصيرة للمؤثرين ذوي المحتوى الإيجابي في منصّاتهم ووسائلهم، وكذلك الفائزين، وكان الجو مفعماً بالحيوية، دعمه حضور كل من وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، ومستشار جلالة الملك للشؤون الإعلامية نبيل بن يعقوب الحمر، فلم تكن الأجواء أجواء منافسة وترقّب، أكثر مما كانت أجواء “تواصل اجتماعي” حقيقي هذه المرة وواقعي، بدلاً من التراسل عبر الشاشات والأسلاك.
العبرة ليست في الحضور، ولا في الابتسامات والعتابات المتناثرة من قلة التلاقي، ولا عبارات الشكر والمديح التي كالها الحاضرون للنادي العالمي للتواصل الاجتماعي فرع البحرين، ولا في ما عجّت به تلك الليلة من كميات “سيلفي” أتخمت بها الوسائل الشخصية والعامة، ولكن المسألة تكمن في هذه الطاقة الهائلة التي باتت بين أصابع المؤثرين في مجال التواصل الاجتماعي وهو الذي ما كان مسبوقاً من ذي قبل.
فمن ذا الذي كان يعتقد أنه إن كتب مقالاً في الوطن العربي سيقرأه حوالي مئة ألف أو يزيدون من الناس، أو من يجد كل هذه التفاعلات والتعليقات على صورة فنية، أو التقاطة غريبة وهي التي ظلت لعقود رهن رد الفعل المختلف بين الفرد ونفسه، أو مع دائرة ضيقة. من كان يعتقد أن صناعة الأفلام يمكن أن تكون عبر الهواتف المتنقلة بهذه السهولة، وتحميلها على هذه المنصات الواسعة الانتشار، لتصل إلى فضاء لا حد له، جمهوره منفتح ولا محدود، ولا يدري رافع المواد ما الذي يمكن أن يحدث بعدها، فلربما صادفت تفاعلاً عالياً وحاداً، ولربما كان نصيبها الإهمال أو الاعتيادي من الأمور. التواصل الاجتماعي أوصل باراك أوباما إلى سدّة الحكم، وأنزل من على هذه السدّة حسني مبارك، تعبيراً عن أهمية هذه الأدوات، وأهمية استعمالها بذكاء لأنه بالإمكان أن ينقلب السحر على الساحر في أية لحظة إن أخذته الغفلة.
فما معنى أن للفرد إمكانية أن يُري نتاجه (أياً كان نوعه) أكثر من مليار و400 مليون شخص في العالم أجمع على فيسبوك، أو مئات الملايين على التويتر أو سناب تشات وغيرها؟! كما طوّحت التكنولوجيا المتوالية السرعة وظائف كثيرة، وربما تطوح وظائف أكثر في القريب العاجل، فلقد تراجعت خصوصية الصحافة وهيبة الإعلام التي كانت حكراً على الوسيمين من مقدمي الأخبار، والجميلات من مقدمات النشرات الجوية، وظائف تحتاج إلى الكثير من الاستعدادات والدراسات لكي يقتنع المنتجون بالشخص، فاليوم من لديه فضل وقت، وطريقة جذابة وخاصة يمكنه التحول إلى ما يريد: محلل، معلق، مذيع، محاور، مراسل، كوميدي، فيلسوف، ممثل، حكيم، تاجر، مدرب...الخ، صحيح أن هذا يضايق المحترفين الذين قضوا أعمارهم يحفرون دروبهم ويؤثثونها على مدى سنوات طوال بجدٍّ ومثابرة ووقار أحياناً، فيأتي صبية صغار بلا ربطات عنق وبشعر منكوش، يسحبون البُسُط من تحت أقدامهم فجأة، ويغدو الجمهور المتأثر والمؤثر في مكان آخر غير القنوات التقليدية للظهور.
كل هذا يتم اليوم الاعتياد عليه، ومن لا يمكنه التعامل مع الواقع بمتغيراته التي ترينا في كل يوم كسراً للأرقام التي سجلتها البشرية عبر مئات الآلاف من السنين وربما أكثر؛ عليه أن يعتزل في كهفه الخاص حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، لأن لا هو، ولا المتألمون حد النزيف على سرعة المتغيرات، وانقلاب المفاهيم والقيم، يستطيعون إعادة دوران العجلة عكس ما تسير عليه الآن، فضلاً عن كبحها وإبطاء هديرها.
هناك الكثير من النظريات التي تفسر لماذا يحاول الناس أن ينشروا النكات والقصص والصور الفريدة والحوادث المؤثرة والحكم والأشعار، وتوحّد المرسل مع الرسالة ليشعر أنه جزء منها ولو لم يكن هو منتجها، فالغالبية العظمى من المستخدمين يريدون أن يشار إليهم بأنهم مصدر الجديد، فيجري التسابق في هذا الشأن من جهة. البعض يريد أن يجمع أكبر قدر من المتابعين للتباهي والتفاخر، والبعض صار الأمر لديه تجارة للحصول على الرعايات، أو نشر إعلانات وغيرها، وكل هذه أمور مشروعة. ولكن ما بيّنته تلك الأمسية أن البحرين ليست فقط أناسا يتشاتمون سياسياً ليلا ونهارا، وليسو مروّجي شائعات، وليسو أناساً سطحيين، وإن لم تخلُ الساحة هنا أو في أي مكان من السطحيين لأنهم جزء من تركيب المجتمع الحقيقي أو الافتراضي، إذ نملك الكثير من الطاقات الإيجابية في مجال التواصل الاجتماعي. الطاقات التي بإمكانها أن تبذل ما في وسعها لتغيير الواقع ومحاولة تحسينه، والتأثير على الأفراد في تخصصاتهم المختلفة، وعدم احتكار المعلومة على مبدأ أنك أثناء تعلمك معلومة جديدة على الطرف الآخر أن ينتج معلومة إضافية، في سباق محموم على من يقود ومن يقاد، تجارب بعضها منقول بشكل أو بآخر من الدول السبّاقة، وبعضها ابتكار محلي النكهة.
“السوشليون” البحرينيون اليوم مدعوون لأن يهتموا أكثر بهندسة محتوى مواقعهم التواصلية، ليس من أجل مسابقة عابرة، أو تفاخر ليضاف إلى السِّيَر الذاتية، ولكننا في أمسّ الحاجة لنشر المحتوى الإيجابي الذي ينقذنا من اليأس والتلويح برايات الاستسلام البيضاء للمجتمعين الواقعي والافتراضي، فارتباطنا بهذه الوسائل عال جداً بالمقاييس العالمية، وهذا يلقي مسؤولية أكبر لإيلاء المزيد من الاهتمام بالمحتوى الإلكتروني، فإذا ما تخليت عن مكانك في الإيجابية، فإن غمامة من السلبية ستظللنا، والمناوشات الشرسة ستزداد، والتحطيم والتسقيط، وإفراغ واستفراغ أبعد ما في الجانب السيئ من النفس البشرية، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد رأى الإيجابيون أن لجهدهم تقديراً، ولرسائلهم طرائق متنوعة لتصل، ولأمطارهم أراضي خير تنبت أطيب الثمار، ولا أمل إلا بأن يزداد حرّاس الأمل والإيجابية، لعلّها تخرجنا من تشرذمنا إلى الإيجابية في الحياة التي نغبط أمماً أخرى بها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .