العدد 2813
الإثنين 27 يونيو 2016
banner
الإمام عليّ مثال التسامح
الإثنين 27 يونيو 2016

 تجسدت في شخصية الإمام عليّ بن أبي طالب أبعاد متعددة الاّ انّ نهج التسامح كان أكثرها ثراءً وحضوراً. تمثل هذا فيما يؤثر عنه كما في قوله “من بالغ في الخصومة أثم ومن قصر فيها ظلم ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم”، وقوله “الحليم من احتمل اخوانه”، وفي ضوء هذه الاقوال فإن السؤال الذي يجدر بكل فرد منّا ان يواجه به ذاته هو أين صفة التسامح في حياتنا؟ محزن ان تتلاشى قيمة التسامح من واقعنا وتحل مكانها الأحقاد والضغائن.
 كان الامام عليّ يردد دوما قولا مأثورا بودنا لو أنه اصبح شعارا لكل فرد هو “اذهب لمن خاصمك وسترى الله كم يحبكّ” ولنتخيل فقط لو انّ كل انسان اتخذ من هذا القول نهجا وسلوكا في حياته كيف سيصبح واقعنا؟ وهنا سؤال يفرض نفسه: لماذا نتخاصم في الاساس؟ ولماذا يكيد بعضنا للآخر؟ وهل هناك شيء يستحق أن نتخاضم من أجله؟
 من يطيل النظر في سيرة الامام عليّ بن ابي طالب وكيف تعامل مع من اختلفوا معه في الرأي أو خصومه من المسلمين وغير المسلمين فإنّه يقف على نماذج اخلاقية غاية في السمّو. ولعلّ عهده لمالك الأشتر حين ولاه مصر يعد نموذجاً راقيا للتسامح. ومن بين كلمات الامام لمالك “ولا تدفعنّ صلحاً دعاك اليه عدوك ولله فيه رضا، انّ الصلح دعة لجنودك وراحة لهمومك وأمن لبلادك لكنّ الحذر الحذر من عدوك بعد صلحه، وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو البسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانة”.
 لماذا كان التسامح نهجا متجذرا في سياسة الامام عليّ بن ابي طالب؟ السبب بسيط جداً لأنّه يقي الأمة الكوارث ولأنه يحفظ لها كيانها من التشتت والتمزق. في موقعة صفين عندما خذلته فئة من انصاره كان يردد اللهم انّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا عليّ ونكثوا بيعتي، اللهم احقن دماء المسلمين”.
 من يمعن النظر في سيرة عليّ فلا يمكنه الاّ ان يدهش من افراطه في النزعة الانسانية الى حدّ ان البعض استغل هذه النزعة للقضاء عليه.
 ولعل في وصيته لابنه الحسن في آخر اللحظات في حياته تجسيدا رائعا لنزعته الانسانية عندما قال له “ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه وأحسن اليه وأشفق عليه، الا ترى الى عينيه وقد صارت في أمّ رأسه وقلبه يرجف خوفا ورعبا وفزعا؟ انّ هذا الموقف الانساني أثار دهشة كل الحاضرين. كما نجد هذا متمثلا في قوله مخاطبا اتباعه “فو الله ما دفعت الحرب يوما الاّ وأنا اطمع ان تلحق بي طائفة فيهتدى بي وتعشو الى ضوئي وذلك أحبّ اليّ” وفي قولٍ آخر مخاطبا اصحابه قبل بدء الحرب “لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم إنكم بحمد الله على حجة وترككم اياهم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم عليهم”.
 في ضوء كلماته الرائعة نستطيع القول إنّ الامام عليّ لم يلجأ الى خيار الحرب الا بعد ان كان يستنفذ كل الخيارات الأخرى. وهذا ما ينمّ عن حرص بالغ منه لحقن دماء المسلمين. بل إنّ جميع الحروب التي خاضها الامام كانت مفروضة عليه. فسلام عليك يا ابن ابي طالب يوم ولُدت ويوم استشهدت على طريق الحق ويوم تبعث حياً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية