العدد 2808
الأربعاء 22 يونيو 2016
banner
إيران والقتال على أرض الفلوجة (2)
الأربعاء 22 يونيو 2016

لم تبدد زيارة رئيس الوزراء العراقي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري ورئيس ديوان الوقف السني عبداللطيف الهميم ووزير التخطيط سلمان الجميلي، مقر عمليات الفلوجة، مخاوف أهل السنة من ظهور قاسم سليماني على مسرح عمليات معركة الفلوجة حيث ندّدت شخصيات سياسية سنية في العراق بظهوره. وقال ثلاثة نواب في البرلمان عن محافظة الأنبار إن زيارة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يمكن أن تذكي التوتر الطائفي وتلقي بظلال من الشك على تأكيدات بغداد بأن الهجوم هو عملية يقودها العراق لهزيمة تنظيم داعش وليس لتصفية حسابات مع السنة. ولأن الانقسام الطائفي العميق هو العنوان الأبرز في عراق ما بعد عام 2003م، أكد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، أن وجود قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني في العراق جاء بطلب من الحكومة، ونفى وجود أي “مشروع سياسي” لدى الحشد الشعبي. وقال المهندس في حديث لبرنامج “غير متوقع” الذي تبثه السومرية: إن “المستشارين الإيرانيين متواجدون معنا منذ بداية المعارك وكان على رأسهم الأخ العزيز قاسم سليماني”، مشيرا إلى أن الأخير “جاء بطلب من الحكومة العراقية وبالاتفاق مع القائد العام للقوات المسلحة”.
فإطلالة قاسم سليماني العراقية هذه الأيام ليست عرضية ولا تخفى معانيها، ولا الأهداف التي يسعى اللواء الإيراني إلى تحقيقها في معركة الفلوجة، ففي حين تجهد الحكومة العراقية لبلورة إجماع عراقي في مواجهة تنظيم داعش للقضاء عليه، سعت هذه الحكومة إلى تأكيد مرجعية الجيش في الميدان، واستصدرت العديد من القرارات التي تجعل من ظاهرة الحشد الشعبي، عنصرا يتحرك تحت مظلة الحكومة والجيش، لكن، لسليماني رأي آخر، عبّر عنه من خلال التقاط صور لشخصه على مشارف الفلوجة ونشرها ليراها من يهمّه الأمر، وعقب هذه الخطوة قال بصريح العبارة “الحشد الشعبي لنا”. قاسم سليماني لا ينطق عن هوىً شخصي، بل هو يمثل السياسة الإيرانية، وبالتالي فهو يعلم أن أي انتصار للجيش العراقي والعراقيين في الفلوجة بمعزل عن حضوره ولو الصوري، سيدفع بالمسار السياسي العراقي نحو المزيد من توفير عناصر إيجابية للتسوية السياسية، أي التسوية التي تقوم على تثبيت مرجعية الدولة وعلى وحدة العراق الديموغرافية والجغرافية، وهذا ما لا يتناسب مع حسابات قاسم سليماني على ما تظهر الوقائع. فإضعاف داعش أو القضاء عليه هو بالضرورة سيكشف فداحة التدخل الإيراني في العراق، ويعلم قاسم سليماني أن بقاء هذا التنظيم الإرهابي، كفيل بجعل التدخلات الإيرانية في العراق مطلوبة، بل وداعمة للعراقيين في مواجهة الإرهاب.
ضمن أجواء معركة الفلوجة المحتدمة حاليا، تحدث القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني العميد إيرج مسجدي، الذي يشغل منصب المستشار الأعلى لقائد فيلق قدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، عن المعركة ودخول إيران فيها بكل قوة. وقال مسجدي إن “خول الحرس الثوري الإيراني بضباطه في معركة الفلوجة كان من أجل أن تبقى إيران مركزا للتشيّع في العالم، كما أننا نعتبر هذه المشاركة دفاعا عن إيران وحدودها”. وجاء حديث مستشار سليماني خلال مراسم إحياء ذكرى قتلى الحرس الثوري الإيراني في مدينة رودهن الإيرانية، بحسب موقع بسيج نيوز التابع للحرس الثوري، حيث شرح الأسباب التي دفعت قوات فيلق القدس الإيراني إلى المشاركة في معركة الفلوجة.
وقال مسجدي في بداية حديثه إن “التيارات التكفيرية تسعى إلى احتلال العراق وسوريا من أجل الوصول إلى إيران؛ مركز التشيع في العالم”.
وحول الحروب التي تخوضها إيران في الدول العربية، قال مستشار سليماني: “من أكبر الأخطاء الاستراتيجية محاربة عدوك داخل حدودك الجغرافية، ويجب أن ننقل معاركنا مع الدول العربية من إيران إلى داخل حدود أراضي العدو، وتدمير قوته حتى لا تصل التهديدات إلى داخل حدود إيران”. وتوعد مسجدي مدينة الموصل بعد الانتهاء من الفلوجة، وقال: “قواتنا تحقق تقدما كبيرا من أجل استعادة مدينة الفلوجة رغم دعم الدول الأوروبية الجماعات التكفيرية هناك، وبعد الانتهاء منها تبقى فقط مدينة الموصل تحت سيطرة تنظيم داعش الذي يحاول استقطاب الشباب من المدينة إلى صفوفه”.
ومن تصريحات ايرج مسجدي وظهور سليماني مجددا فوق الأراضي العراقية يمكن لنا تحديد أهداف هذا الظهور – أولاً: تكريس هيمنة طهران، ليس فقط على المناطق الجنوبية والفرات الأوسط للعراق فحسب، بل أيضا لإخضاع العرب السنّة ومناطقهم حتى لا يكون لهم دور سياسي مؤثر في العراق وسياسته في المستقبل. وتصريحات مسجدي هذه تؤكد البعد الطائفي في مشاركة طهران بمعركة الفلوجة وأدواتها كالحشد الشعبي، كما تثير الشكوك بشأن مجازر جماعية يمكن أن ترتكب بحق سكان المدينة التي يصفها الإعلام الإيراني بأنها بؤرة الإرهاب وحاضنة التكفيريين، وطبعا في سياق من تبرير الجرائم الطائفية التي قد ترتكب بحق أهل الفلوجة تحت ذريعة محاربة داعش والإرهابيين هناك. في ضوء ذلك، حرصت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على تأكيد رفضها دخول الحشد الشعبي المدينة بعد تحريرها. وأعلنت أنها لا تقدم غطاء إلى الميليشيات. وهو ما حرص عليه حيدر العبادي أيضاً، إذ اصطحب معه - كما أشرنا سابقاً - إلى غرفة عمليات الفلوجة رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري ورئيس ديوان الوقف السني عبداللطيف الهميم وآخرين ليؤكد “الوطنية العراقية” التي تجمعت في المعركة، على حد قوله، وإبعاد أية صيغة مذهبية عنها. كما أن قائد “فيلق بدر” هادي العامري صرح بحضور رئيس الوزراء، وإلى وفد من مشايخ الأنبار بأن الحشد سيترك للجيش عملية اقتحام المدينة وسيشارك في تطويقها فقط. ولن يدخلها إلا إذا فشل هجوم القوات النظامية. لكن ذلك لم يبدد المخاوف. فهناك قوى تصر على اتهام أهالي المدينة بأنهم داعشيون، وترغب في خوض المعركة كأنها مواجهة مع أهل السنة في مدينة يشكل هؤلاء غالبيتها العظمى. كما أن تنظيم الدولة استعجل عشية المعركة صب مزيد من النار لتعميق الصراع المذهبي. وشن سلسلة عمليات إرهابية في بغداد وأحيائها الشيعية مخلفاً مئات الضحايا بين قتيل وجريح.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية