في أحيان، يتراءى لي أنه انعدمت الإنسانية من البشر، وأن القلوب تحجرت مع طبيعة الحياة المُتسارعة، التي لا تجعلنا أوفياء مع مشاعرنا الإنسانية، بل أكثر انشغالاً بتسيير أمورنا الحياتية، دون الركون للحظات إلى جانبنا الإنساني وإضفاء شيء من الهدوء على حياتنا.
في الحلقة الأولى من برنامج «الصدمة»، والذي يُعرض على قناة (أم بي سي)، لفتني الفيديو الحقيقي الأول الذي عُرض عن ابن يُسيء المعاملة إلى والده، فطلبت تغيير القناة على الفور؛ لأنني لا أطيق تحمل مشاهدة ابن يُعامل والده بسوء. واستهجنت أن يفكر أحد في عرض برنامج كهذا على الملأ! مشاهد تقشعر لها الأبدان، وتؤذي مشاعر الإنسان، وتصيبه في مقتل.
في حلقة لاحقة، وبمحض الصدفة، رأيت مشاهد معاملة سيدة لخادمتها بسوء، وكان مشهداً تمثيلياً هذه المرة، وهو ما درج عليه برنامج الصدمة، أن يثير المشاعر الإنسانية ويضعها في الميزان.
تفاعل الناس متباين إزاء مواقف مماثلة في ذات البرنامج، لكن السواد الأعظم من الناس يتعاطفون مع المُساء إليه في الموقف، إلى درجة أنهم يقررون الدفاع عنه إما بالكلام أو بالأيدي إن تطلب الأمر منهم ذلك!
الجيد أن تتمثل أمامنا ــ في هذا الزمان ــ مواقف حقيقية لأناس استُفزت مشاعرهم الإنسانية، ليعدوا أنفسهم محامين للدفاع عن أناس ضعفاء؛ لا يمتلكون المقدرة والشجاعة لدرء السوء عن أنفسهم.
تحفيز الجوانب الإنسانية والأخلاقية من خلال البرامج التلفزيونية يجلي أدوار التلفزيون، ويجعل منه وسيلة لتحقيق أهداف سامية، بعيداً عن الكثير من الرسائل السلبية التي عكفت على إيصالها معظم المحطات الفضائية، أو اعتماد هدف التسلية دون الاهتمام بمضامين ما تقدمه. سوى أنه ينبغي أن نكون حذرين ــ تمام الحذر ــ عندما نلامس مشاعر الناس، وعندما نبتغي تعزيز الحاجة إلى استنصار المحتاجين، الذين يعجزون عن اكتساب حقوقهم، بأن نأخذ بعين الاعتبار عدم تقديم مقاطع حقيقية ــ تقدم لنا كنماذج ــ حتى وإن كنا نبحث عن المصداقية؛ فإن ذلك لا يستحق منا الاهتمام بالبث.
لمثل هذه البرامج قدرة على اختبار أخلاقياتنا وإنسانيتنا، كما يمكن للصغار أن يستفيدوا منها استفادات جمة؛ بتعلم اتخاذ القرارات الصحيحة في مثل هذه المواقف، وحسن التصرف والتعامل مع الناس والالتزام بالعادات الحميدة، وهو ما يدعو إلى إبراز قيم متأصلة في ذواتنا الإنسانية.