العدد 2794
الأربعاء 08 يونيو 2016
banner
الدولة قواعد وليست أعمدة
الأربعاء 08 يونيو 2016

يقول ابن خلدون “التاريخ فن.. يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم وحضاراتهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسيرتهم حتى تتم فائدة الاقتداء في أحوال الدين والدنيا”.
كل بناء له قواعد، بنايات أو عمارات أو ناطحات سحاب، أو شركات أو مؤسسات أو دول، إذا لم تقم على قواعد، تنهار من الداخل حتى لو ظلت من الخارج تلمع بسبب الأعمدة القائمة عليها، فهناك فرق بين بناء يقوم على قواعد صلبة ثابتة وبناء يقوم على مجرد أعمدة، والبحرين الحديثة ولله الحمد قامت على قواعد ربما لا تضاهيها دولة في المنطقة، هذا الأمر كان قبل أكثر من خمسة عقود حتى عشر سنوات مضت، أزيلت القواعد للأسف وبقيت الأعمدة فقط، أي اننا اليوم نقف على أعمدة، وإذا لم نتدارك الأمور ونعيد القواعد مكانها وندعمها فإننا أمام تحدٍ مع المجهول القادم، لماذا هذه المقدمة حول القواعد والأعمدة؟
إن الدولة التي تغير سياستها كل شهر هي دولة بحاجة لوقفة تراجع فيها نفسها فتغيير السياسات من دون وجود استراتيجية تقف وراء هذا التغيير يضع المجتمع برمته في حالة تخبط، فحتى لو رأت الدولة أن سياستها هذه لها حسابات لا يراها غيرها فإننا أمام مشكلة حقيقية، لأننا نرى على سبيل المثال مرة تَضييق فريق الإدارة ومرة توسيع الفريق، منذ بدء أزمة النفط، كم عدد اللجان التي شكلت؟
البحرين واجهت في السبعينات أزمة نفطية واقتصادية وتجاوزتها مع وجود حكومة  قوية متماسكة، من دون لجان طبعاً، البحرين في الثمانينات واجهت أزمات منها مالية ومنها إرهابية، وتجاوزتها بحكومة قوية متماسكة، البحرين في التسعينات تعرضت مع دول المنطقة لتحديات داخلية وخارجية وتغلبت عليها وخرجت أقوى بذات الحكومة القوية، وفي الألفية الثالثة، منذ 2001 وحتى اليوم مررنا باختبارت وتجارب وتحديات وواجهناها وكان ذروتها 2011، فهل تعلمنا منها أمنياً ومالياً؟
إن الفرق بين من يرى البحرين من منظور الأمس مرتكزاً على عمق في الرؤية ودقة في التحليل سوف يكتشف أن سبب قوة وصمود وتماسك الوضع في البحرين اليوم قواعد الأمس، ما بنيناه بالأمس حفظ لنا بناء اليوم، فرجاءً لا نهدم القواعد الحقيقية الثابتة لنضع أعمدة هشة بدلاً منها. إن من يرى  من الداخل ومن يرى من الخارج يجد الفرق بين القواعد والأعمدة والسؤال: كيف تنظر الدولة لأمور كثيرة في هذا البلد أعجز عن فهمها وبدأ الشك يساورني، إذ ليست هناك سياسة ترجح العقل ولا توجد سياسة ترجح الفهم الذي يتطلبه الوضع العام، مالي أو أمني في ضوء الذي مررنا به وتحملناه ومرشح للتعقيد إذا ما استمر وضع التجريب، فبالأمس تحدثنا عن خسائر مالية بالملايين لا نريد العودة لتكرارها واليوم نتحدث عن نفس هذه المؤسسات التي أحدثت الخسائر، تعطى مشاريع جديدة، فبدلاً من محاسبة من تسبب في هذه الخسائر نضع من جديد في يده مشاريع جديدة، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا أعرف سبب تعدد تشكيل اللجان، واللجان المتفرعة عنها، فكلما كانت هناك فروع ولجان وتشعبات كلما زاد التشويش والارتباك، فالعالم اليوم يتجه في ظل الازمات المالية والتحديات الأمنية إلى الحكومات المركزية القوية، وطالما كانت البحرين تسير في هذا الاتجاه ومنها أصبحت نموذجا يقتدى به في المنطقة وفي العالم، هذا الكلام ليس من فراغ فالجوائز العالمية والشهادات الدولية  للبحرين في مجال الإنجاز الحكومي يشهد لها القاصي والداني، لذلك نأمل ونتطلع لأن تبقى قواعد الأمس الصلبة مع قواعد اليوم لحفظ البناية من الانهيار لا قدر الله، فالبناء الحقيقي يقوم على قواعد وليس على أعمدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية