العدد 2794
الأربعاء 08 يونيو 2016
banner
أسطورة المواقف الإنسانية
الأربعاء 08 يونيو 2016

ليس من السهل اختزال شخصية كبيرة كمحمد علي كلاي في سطور، فالرجل يعد أحد اعلام القرن العشرين في لعبة الملاكمة. إنّه صاحب مبدأ لم يحد عنه قيد انملة طوال حياته. في كتابه الذي يبرز سيرته الذاتية “روح الفراشة” عبّر عن العذابات التي تعرض لها السود من تنكيل واضطهاد قائلاً “كنت ابكي كل ليلة قبل ان أهجع الى النوم نتيجة الشعور بالاهانة الدائمة التي يتعرض لها السود في اميركا”. وكأي واحد من العظماء فقد دفع ثمن مواقفه عندما رفض الخدمة العسكرية ابان حرب فيتنام عام 1967م. عندما سلبت منه رخصة الملاكمة عقابا على رفضه المشاركة في الحرب.
 لم تكن مواقف كلاي مجرد تنظيرات فارغة بل جسدها بمواقف عملية وبالاخص على حلبة الملاكمة. ولعل النموذج هنا ما قاله بطل العالم للملاكمة للوزن الثقيل الأميركي جورج فورمان عن إحدى مبارياته مع كلاي قائلا “كنت استعد للفوز بواحدة من اسهل المباريات في حياتي او هكذا ظننتها، إذ انّ كل التوقعات تشير الى أنني سأفوز على محمد علي بالضربة القاضية. دخلت حلبة الملاكمة ولقنت الرجل درسا قاسياً كنت اكيل له اللكمات لأكثر من ست جولات متتالية. ولم يداخلن الشك بأنني سأقضي عليه لا محالة.. في الجولة السادسة سددت له لكمة جانبية ثم سمعته يهمس لي “هل هذا كل ما لديك يا جورج؟ بعدها بدأ أسوأ كابوس في حياتي! عندما ظنّ الجميع أنّ كلاي قاب قوسين أو ادنى من الهزيمة عندما انهال فورمان بتوجيه اللكمات، وكلاي يحاول الدفاع عن نفسه بوضع يديه درعا امام وجهه، ونتيجة لفارق السن بين البطلين فقد اعتقد الجميع ان المباراة تكاد تنتهي، فإذا بالمفاجأة المدوية تتجسد أمام المتفرجين. محمد علي بدأ يغير تكتيكه عندما بدأ يرقص ويلسع خصمه بلكمات سريعة دفعت بفورمان الى الترنح ليسقط أرضا.
 أمّا قصة اعتناق محمد علي للإسلام وتغيير اسمه الى محمد علي فإنّها كانت نتيجة حركة المفكر الأميركي “مالكوم اكس” المتحدث الرسمي لجماعة امة الاسلام. وكانت تربط الرجلين علاقة قوية بإعلانه التحوّل واعتناق الاسلام في عام 1975م. بقي محمد عليّ حتى آخر نفس في حياته وفيّا للاسلام والعقيدة. ووصف نفسه في سيرته الذّاتية بقوله “العظماء لا يرغبون أبدا ان يكونوا عظماء من أجل انفسهم، إنّ كل ما يريدونه ان تمنح لهم فرصة ليكونوا قريبين من الله. وأن يقوموا بأعمال خيّرة. لست مثاليا وأعلم انه يتوجب عليّ تغيير الكثير وأنا منكب على ذلك وبعض اعمالي لا افتخر بها، خصوصا تلك التي سببت آلاما للآخرين وأدعو الله ان يغفر لي”.
لم يكن اعتناق محمد علي الإسلام مجرد حدث عابر في حياته بل انه دأب بجهد منقطع النظير على تصحيح الصورة الخاطئة للإسلام، المنطبعة في اذهان الجمهور الأميركي. أما موقفه من الارهاب فقال انا مسلم ولا يوجد شيء يمت للإسلام في قتل اناس ابرياء في باريس او اي مكان آخر في العالم، المسلمون الحقيقيون يعرفون انّ العنف الوحشي لمن يطلق عليهم اسم المتطرفين الإسلاميين يتعارض مع صميم مبادئنا”.
يتمثل الجانب الإنساني في سيرة محمد كلاي من خلال توسطه لإطلاق سراح رهائن كان يحتجزهم صدام حسين عام 1990م. ورغم إصابته بمرضه المعروف بالباركنسون فقد سافر الى بغداد والتقى صدام ونجح في تحريرهم وأقلّهم معه الى أميركا على متن طائرة خاصة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .