العدد 2758
الثلاثاء 03 مايو 2016
banner
الصمت المرعب الذي يلفّ مأساة حلب
الثلاثاء 03 مايو 2016

كيف يمكن أن تستمرّ مأساة حلب في ظلّ هذا الصمت العالمي الأقرب الى التواطؤ مع  النظام السوري؟ تستمر المأساة والعالم في القرن الواحد والعشرين. لا يريد العالم معرفة شيء عن المجزرة التي تستهدف احدى اقدم المدن على الكرة الارضية.
لا تفسير لما يجري سوى ان العالم فقد اي شعور بالإنسانية وأنّ في واشنطن ادارة تصرّ على التفرّج على ما يدور في العالم، خصوصا في سوريا، وكأنّ الهدف الوحيد لباراك اوباما التأكد من انّه لن تقوم لهذا البلد قيامة في يوم من الأيّام. هل من تفسير آخر لما يجري سوى ان العالم مستعدّ للتغاضي عن ممارسات النظام السوري؟
مرعب كلّ هذا الصمت عن المأساة التي تشهدها حلب. هناك نظام مرفوض من الأكثرية الساحقة من شعبه يصرّ على شن حرب ابادة على هذا الشعب لمجرّد انّه طالب بحد ادنى من الكرامة. من الصعب تصوّر كيف ان العالم، على رأسه الولايات المتحدة، يتفرّج على المشهد من دون ان ينبس ببنت شفة.
لا يعد ردّ فعل العالم على مأساة حلب مستغربا عندما تستعيد الذاكرة انّه سبق لحلب أن تعرّضت في الماضي لما تعرّضت له مع مدن ومناطق سورية ولبنانية عدة.
سبق لحلب ان تعرّضت لحملة مماثلة في ثمانينات القرن الماضي. ترافق ذلك مع  مجزرة حماة في شباط ـ  فبراير من العام 1982. ليس معروفا الى الآن كم قتل النظام من اهل حماة. لكنّ الرقم الاقرب الى الحقيقة هو ثلاثين الف مواطن سوري.
بالنسبة الى النظام السوري، لم يتغيّر شيء في العالم. لا يزال العالم على استعداد للتغاضي عن مجازره لأسباب يصعب ايجاد تفسير منطقيّ لها باستثناء وجود بوليصة تأمين له، بعدما وضع نفسه دائما في خدمة اسرائيل. فعل ذلك منذ اليوم الاوّل الذي اصبح فيه حافظ الأسد وزيرا للدفاع في العام 1966. في تلك السنة حصل انقلاب من داخل البعث قاده في الواقع ضباط علويون أسسوا للنظام الأقلّوي القائم الذي تحوّل في عهد بشّار الأسد الى نظام عائلي. تولّى حافظ الأسد من موقع وزير الدفاع التمهيد لتسليم الجولان في العام 1967. يبدو النظام معفيا من ايّة مساءلة من ايّ نوع لمجرّد انّه تكفّل توريط جمال عبدالناصر في حرب 1967 وتخليه عن الجولان نتيجة تلك الحرب. يبدو ان النظام مازال يقبض الى اليوم ثمن تسليم الجولان. هل من تفسير منطقي آخر لهذا التواطؤ الدولي على الشعب السوري وعلى اهل حلب بالذات؟
لا يزال العقل الذي تحكّم بالنظام منذ اليوم الأوّل للانقلاب الذي قام به حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني ـ نوفمبر 1970 وسمّاه “الحركة التصحيحية” هو العقل السائد.
يكفي استعراض ما ارتكبه النظام منذ ما قبل 1970 لتفسير هذا الصمت عنه، وذلك منذ انقلب حافظ الأسد على رفاقه البعثيين ووضعهم في السجن. قتل محمد عمران في طرابلس ولم يوجد من يحرّك ساكنا على الرغم من ان عمران يأتي من عائلة علويّة ارفع شأنا من عائلة الاسد نفسه. وضع صلاح جديد في السجن ولم يطلقه الّا بعدما تأكّد انّه تحوّل الى جثة.
لا حاجة الى تعداد الجرائم التي ارتكبها حافظ الأسد في لبنان ثمّ ما فعله ابنه المشارك في جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وكلّ الجرائم الأخرى التي تلت تفجير موكب الحريري. لا حاجة ايضا الى تعداد القرى المسيحية التي هجّر اهلها بغية تأليب المسيحيين على الفلسطينيين. ولا حاجة الى تعداد ما فعله النظام في طرابلس السنّية أو بيروت نفسها او صيدا مستخدما الفلسطينيين احيانا وميليشيات تابعة له مباشرة في أحيان اخرى.
اراد تدمير لبنان كلّيا إما مباشرة أو بواسطة المسلّحين الفلسطينيين. انتهى الأمر بأنّ عدد الفلسطينيين الذين قتلهم يفوق بكثير عدد الذين قتلتهم اسرائيل.
من يتمعّن بما فعله النظام السوري باللبنانيين والسوريين والفلسطينيين وصولا الى ادخال ايران، عبر الميليشيات المذهبية التي انشأتها، الى قلب لبنان وقلب سوريا، لا يتفاجأ بهذا الصمت عن جرائمه المستمرّة، آخرها جريمة حلب. فعندما يقدّم نظام كلّ ما قدّمه لإسرائيل، لا يعود من مجال لطرح اسئلة من ايّ نوع. من لا يزال لديه ادنى شك في ذلك يستطيع ان يسأل كيف سمحت اسرائيل للجيش السوري باحتلال لبنان في العام 1976. فعل ذلك تحت ذريعة انّه جاء الى لبنان لحماية المسيحيين. هل كان ذلك ممكنا من دون الموافقة التي جاء بها هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي وقتذاك، ومن دون الضوء الأخضر الاسرائيلي الذي رافقته الخطوط الحمر التي قبل حافظ الأسد التزامها بدقة متناهية ليس بعدها دقّة؟
الى متى تظل بوليصة التأمين الاسرائيلية معمولا بها؟ الجواب، بكلّ بساطة، ان صلاحية البوليصة صارت شبه منتهية، خصوصا بعدما عقد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسة لمجلس الوزراء في الجولان. أعلن من هناك ان الجولان اسرائيلي “الى الأبد”. أراد القول إن  النظام الذي لم يرد يوما خروج الجولان من تحت الاحتلال نال ما يكفي من مكافآت. كلّ ما في الأمر انّ عليه استكمال المهمّة التي وجد اصلا من اجلها. تتمثّل هذه المهمّة في تفتيت سوريا وتدمير مدنها الواحدة تلو الأخرى بشكل منهجي.
هذا نظام له مهمّة، لن يرحل نهائيا قبل اتمامها للأسف الشديد، لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يستطيع حاكم لديه بعض العقل والحرص على سوريا وعلى شعبها الاقتناع بأنّ تدمير حلب بعد حمص وحماة وقسم من دمشق يمكن ان يبقيه في السلطة الى ان يأتي اليوم الذي يرثه فيه حافظ الصغير؟. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية